من سيئون إلى المجهول: حكاية ستة ضباط غيّبتهم مليشيات الانتقالي
لم تكن أسرة العميد الركن فتحي الضبوي تتخيل أن الانتظار الذي أثقل صدورهم يومين كاملين سينتهي بذلك الخبر القاسي الذي شقّ قلب العائلة نصفين.
فمنذ لحظة اختطافه على يد تشكيلات تابعة لـ"المجلس الانتقالي" المدعومة إماراتيا، ظل الغموض يلف مصيره، وصمت الجهات الرسمية كان أعمق من أي إجابة. وفي اليوم الثاني للاختفاء، جاء البلاغ الذي لم ترغب الأسرة في سماعه: "العميد فتحي… قُتل."
لم يكن الضبوي مجرد رقم في قوائم المنطقة العسكرية الأولى؛ فهو قائد الكتيبة الثانية، وضابط خدم سنوات طويلة في وادي حضرموت، تولّى خلالها مهام حساسة في ظروف معقدة، ونال تكريمات عدة كان آخرها من اللواء الركن صالح طيمس.
ومع ذلك، لم تشفع له رتبته ولا تاريخه حين تعرّض للاختطاف ثم التصفية… ليعود إلى أسرته جسدًا صامتًا خرج من معتقل المطار.
صادق البشاري.. المساعد الذي كان يطمئن الجميع
كان صادق البشاري معروفًا في المعسكر بقدرته على تهدئة زملائه في أسوأ اللحظات.
الرجل الذي كان يحمي هؤلاء الصغار من ضغوط المعارك صار هو نفسه مفقودًا بعد أن اختطفته مليشيات الانتقالي.
وبعد يومين فقط، وصلت عائلته إلى المستشفى فوجدت أن الإجابة الوحيدة على سؤال: "أين صادق؟"، كانت جثمانًا مقيدًا، عليه آثار النهاية التي كُتبت داخل معتقل المطار.
عاد كما عاد الضبوي والآخرون: بلا صوت، بلا تفسير، بلا عدالة.
محمد قطيبر… الجندي الذي لم يعرف سوى الانضباط
المساعد محمد قطيبر، رغم أنه لم يكن ضابطًا كبيرًا، لكنه كان أحد الذين يعرفون تضاريس وادي حضرموت كما يعرفون وجوه أبنائهم.
خدم سنوات طويلة، وتميّز بدقة لا تخطئها العين وانضباط صارم لم يتخلَّ عنه يومًا.
صباح اختطافه كان يرتدي بزته الرسمية في مهمة روتينية، لا يحمل سلاحًا ثقيلًا، ولا يقود قوة، ولا ينافس على منصب.
ومع ذلك، كان من أوائل من اقتيدوا إلى معتقل المطار، وقد وجد زملاؤه الذين حاولوا السؤال عنه أنفسهم في الدائرة ذاتها من الخطر.
وبعد أيام، ظهر الجواب أخيرًا… لكنه كان ممددًا في ثلاجة المستشفى.
هكذا انتهت حياة رجل لم يُعرف عنه سوى الالتزام، بينما الدولة التي خدمها فشلت في حمايته حتى في لحظة موته.
راجح الشرفي… الجندي الذي توقفت أحلامه عند باب المعتقل
كان راجح الشرفي الأكثر تعلقًا بوحدة خدمته، يحلم بإكمال دراسته العسكرية، وبترقية ظل ينتظرها سنوات، ويرى في الزي العسكري شرفًا لا مجرد وظيفة.
لكن حين اقتيد إلى معتقل المطار مع بقية المختطفين، توقفت كل تلك الأحلام عند ذلك الباب المغلق.
وعندما بلغ خبر مقتله أسرته، بدا وكأن الزمن نفسه توقف؛ كأن المستقبل الذي كان يتطلع إليه انطفأ دفعة واحدة.
العقيد محمد الأسد… الهدوء الذي لم ينجُ من النهاية نفسها
العقيد محمد الأسد، قائد الكتيبة الأولى، كان يعرفه الجميع بانضباطه الصارم وهدوئه الدائم.
في مساء اليوم الذي سبق اختفاءه، شوهد وهو يراجع كشوف المناوبة ويرتب أوامر السرايا… دون أن يعلم أحد أنها آخر توصياته العسكرية.
اختفى الرجل بهدوء يشبه شخصيته، وبدأت الأسئلة تتصاعد بين الضباط وأسرته وسط مخاوف على حياته.
شوقي صهيف… قائد الحركة الذي لا تعرف أسرته أين انتهت خطواته
أما شوقي صهيف، قائد كتيبة الحركة، فقد كان من الضباط الذين يعرفون مسارات التوتر في الوادي أكثر مما يعرفون مكاتبهم.
قضى سنوات بين خطوط النار، لكنه اختفى في لحظة واحدة، تاركًا أسرته أمام خوف أكبر من قدرتها على الاحتمال.
اليوم، تعيش أسرتا الأسد وصهيف على القلق ذاته: هل كان مصيرهما مماثلًا لزملائهم الذين انتهت حياتهم داخل معتقل المطار؟ لا جواب حتى اللحظة لكن الخطر والمخاوف أكبر من تبديد أي أمل.
فصول أكبر من مجرد اختفاء
وقد وثقت منظمة شهود الحقوقية في تقرير لها هذه الوقائع مؤكدة أنها لم تكن مجرد “حالات فردية”، بل كانت جزءًا من سلسلة واسعة من الانتهاكات شملت، اقتحام منازل وترويع نساء وأطفال، اعتقالات تعسفية، ونهب ممتلكات عامة وخاصة.
ووصفت المنظمة ما حدث بأنه "جرائم جسيمة"، لا تمس أفرادًا فقط، بل تمس فكرة الدولة ذاتها، وتهدد معنى وجودها.