مسؤول بلا محاسبة
من بديهيات أي نظام سياسي في العالم: أن كل من يتولى مسؤولية عامة يجب أن يخضع للمحاسبة، حتى الملوك — في الدول التي ما زالت فيها ملكيات ولكن دستورية حقيقية — يخضعون لأشكال من الرقابة على أعمالهم.
وبالتالي، أي مسؤول يتولى منصبا عاما دون أن يخضع لأي شكل من أشكال الرقابة يصبح فاسدا بالضرورة ما لم يثبت هو العكس. العبء هنا على المسؤول نفسه، لا على المواطن، ولا على الصحفي، ولا على أي جهة خارجية؛ فالمواطن العادي لا يملك الوسائل ولا السلطة ولا المعلومات التي تمكنه من إثبات نزاهة المسؤول، لذا فإن أي منطق يقول إن “الدليل مطلوب قبل الادعاء بالفساد” هو منطق مقلوب، يضع العبء حيث لا يجب أن يكون.
لكن الواقع عندنا مختلف تماما؛ فغالبية المسؤولين لا يخضعون لأي رقابة فعلية، لا داخل مؤسساتهم، ولا عبر الأجهزة الرسمية المُكلّفة بالمحاسبة: لا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ولا نيابة الأموال العامة، ولا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ولا البرلمان.
جميع هذه الأجهزة معطلة، رغم أن لها موظفين ورواتب وميزانيات، لكنها عاجزة عن ممارسة دورها الحقيقي بسبب القرار السياسي الذي يمنعها من العمل، والسبب واضح: لو بدأت هذه الأجهزة بالعمل فعليا، فسيتم كشف فساد غالبية المسؤولين، وربما جميعهم. هل تتذكرون كيف رفض “مجلس القيادة الرئاسي” نشر تقرير جهاز المحاسبة الوحيد عن فساد بعض المؤسسات بحجة السرية؟