طارق صالح واستعادة الجمهورية: نصف دولة أم كل الجمهورية؟
يكرر العميد طارق صالح، قائد المقاومة الوطنية، في كل مناسبة، القول إن بوصلته الأساسية هي استعادة الدولة والجمهورية في صنعاء، أي هزيمة الحوثيين. لكنه في الوقت نفسه يصرّح بما يناقض ذلك حين يقول إنه سيقاتل "إذا جاءت الحرب"، وكأن الحرب دعوة تصل في مناسبة معينة، لا قرارًا يمكن أن يتخذه هو أو يبدأ بتنفيذه.
إذا كانت معركته، كما يؤكد دائمًا، هي استعادة الدولة في صنعاء، فإن ذلك يقتضي أن يتقدم نحوها، وأن يتخذ قرارًا عسكريًا واضحًا بالتحرك. ومع ذلك، ما نسمعه في الواقع هو تكرار عبارة "إذا جاءت الحرب"، وكأن دوره يقتصر على الرد لا المبادرة. والمنطق يقول إنه إذا كان هدفه استعادة صنعاء بالفعل، فعليه أن يكون المبادر، لا أن ينتظر خصمه ليأتي بالحرب إليه.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ينتظر طارق هجوم الحوثيين في مناطق سيطرته، بدل أن يبادر هو إليهم لإثبات مصداقية حديثه عن استعادة الدولة في صنعاء؟ الحرب ليست حالة دفاعية فقط، إلا إذا كان غير معني أصلًا بالتحرك الهجومي.
ثم يتحدث عن تنفيذ مشاريع خدمية، وهذا لا يتناقض في حد ذاته مع الإعداد لمعركة صنعاء، غير أن الإعداد لا ينبغي أن يتحول إلى فترة زمنية مفتوحة إلى أجل غير مسمى. وقياسه على أن الرسول صلى الله عليه وسلم "جلس سنوات يعدّ نفسه" لا يستقيم هنا؛ فاليوم يمتلك قوة أكبر بكثير مما كان عليه قبل خمس سنوات، ولديه رجال وسلاح وغطاء سياسي. فإذا لم يتحرك الآن، فمتى يتحرك؟ إلا إذا كان يريد القول إن القرار ليس بيده، وإنه مرتبط بالممول الخارجي، وهذا مفهوم، لكنه يناقض حديثه عن الاستعداد اللامحدود وانتظار "قدوم الحرب".
مما يُلاحظ أن مفهومه للجمهورية يقتصر على الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون. والمنطق يقول: إذا كنت تريد استعادة الجمهورية، فهذا يعني استعادتها كاملة، شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا. وعدا ذلك، لا معنى للحديث طالما يتم تجاهل ما يفعله المجلس الانتقالي، الذي لا يؤمن أصلًا بالجمهورية اليمنية التي يتحدث عنها طارق، وإنما يفرض مشروعًا انفصاليًا كاملًا ويسيطر على المحافظات بدعم خارجي.
من غير المنطقي أن تنتقد الحوثي على تقويض الجمهورية، وتتجاهل في الوقت نفسه ما يقوم به الانتقالي، تحت ذريعة "ليس لنا معركة مع الجنوب". لا أحد يطلب معركة مع الجنوب جغرافيًا؛ الحديث هنا يتركز على الانتقالي تحديدًا، الطرف السياسي الذي يسعى للانفصال ويمارس سلطة الأمر الواقع.
يقول طارق إن هناك "قوى سياسية" تختلق معارك مع الجنوب، لكنه لا يسميها. وإذا كانت موجودة بالفعل، فلماذا لا يذكر أسماءها؟ ومن هي القوى التي اخترعت هذه المعارك، بينما الانتقالي هو من يختار زمان ومكان التقدم، ويتحرك من عدن وصولًا إلى حضرموت، دون أن يواجه مقاومة حقيقية، لأن الجيش تُرك بلا أوامر بالتصدي له، بل وصلت التوجيهات بأن يسلم ولا يقاتل.
الاشتباكات المحدودة في وادي حضرموت حدثت من بعض الأفراد، ثم انتهى الأمر بتسليم كل شيء للانتقالي دون قتال، ثم جاء الدور على المهرة، التي سقطت كذلك دون مواجهة. فأين هي "القوى السياسية" التي تختلق المعارك؟ ومن الذي كان يصنع المعارك فعليًا؟ الواقع يقول إن الانتقالي ذهب إلى هذه المحافظات وسيطر عليها، ولم يقف أحد أمامه.
أما إذا كان يقصد الشيخ عمرو بن حبريش، فهو لم يحارب الانتقالي في مناطق سيطرته، بل تعرض للهجوم من قبل الانتقالي لمجرد أنه يدافع عن حقوق أبناء المحافظة، وتنمية حضرموت، وضرورة أن يكون لهم تأثير في المعادلة السياسية، لا الانفصال.
يقدّم العميد طارق تفسيرات وتبريرات لعدم التحرك نحو صنعاء، ويؤكد أن معركته الأساسية هي استعادة العاصمة، وهذا واجبه ومسؤوليته التاريخية باعتباره كان جزءاً من تحالف عمه، الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي ساهم في إسقاط الجمهورية وتسليمها للإمامة مع الأطراف الأخرى، وهو ما يوجب عليه إصلاح هذا الخطأ التاريخي، بدل الدوران في الحلقة ذاتها.
إن الخطأ الاستراتيجي الأكبر الذي ارتكبه طارق صالح وما يزال يرتكبه، هو التفريط بالجمهورية من أطرافها، فلا يمكنك أن تتحدث عن استعادة الجمهورية في الشمال، بينما تتنازل عن نصف الدولة لمليشيا أخرى في الجنوب والشرق، وكأن الأمر شأن خارجي لا علاقة له بالجمهورية.
الجمهورية لا تتجزأ، والوحدة ليست جزءًا يُقطع ويترك، ومن يتخلى عن جزء من الجمهورية، يفقد مبرره في المطالبة باستعادتها في الجزء الآخر. هذه هي المعادلة البسيطة، التي لا يمكن القفز عليها بأي خطاب سياسي أو إعلامي.