حضرموت والمهرة.. الزلزال الذي ضرب ما تبقى من الشرعية

2025-12-07 22:56 الهدهد/خاص:
صورة مدمجمة لأعضاء المجلس الرئاسي
صورة مدمجمة لأعضاء المجلس الرئاسي

 

تمثل سيطرة ميليشيات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيًا على محافظتي حضرموت والمهرة شرق اليمن تطورًا جيوسياسيًا بالغ الخطورة، يهدد ما تبقى من نفوذ مجلس "القيادة الرئاسي" المعترف به دوليًا. فالمجلس، الذي تشكل في أبريل 2022، لم يعد يمتلك سلطة فعلية إلا في مأرب وجزء محدود من تعز، بينما خرجت المحافظات الشرقية، آخر مناطق النفوذ الهادئة نسبيًا، من يده تمامًا.

 

وعلى عكس المواجهات التي دارت سابقًا بين الرئيس عبدربه منصور هادي والمجلس الانتقالي — تلك المواجهات التي كانت تُدار غالبًا بطريقة تحفظ الحد الأدنى من شكل “الشرعية” — فإن التطورات الأخيرة تشكل انقلابًا غير معلن داخل معسكر السلطة ذاته. فالانتقالي الذي أصبح جزءًا من السلطة منذ اتفاق الرياض أواخر 2019، ثم اكتسب غطاءً شرعيًا أقوى بعد تشكيل المجلس الرئاسي، تحرك هذه المرة بقواته ليستولي على حضرموت والمهرة، وهما المحافظتان اللتان بقيتا طوال سنوات الحرب بعيدتين عن صراع الشرعية والانتقالي، وبعيدتين كذلك عن خطوط المواجهة مع الحوثيين.

 

وبهذا، يغدو الانتقالي مسيطرًا فعليًا على معظم الجغرافيا التي كانت خاضعة للحزب الاشتراكي اليمني قبل عام الوحدة 1990، في حين سقط آخر وجود فعلي للشرعية في المحافظات الشرقية، رغم أن الانتقالي شريك أساسي داخل المجلس الرئاسي نفسه. ولهذا وصف مراقبون ما جرى بأنه أخطر ضربة تتلقاها الشرعية منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين في 21 سبتمبر 2014.

 

هذه الهزة دفعت رئيس المجلس رشاد العليمي إلى مغادرة عدن على عجل يوم الجمعة، آخذًا معه متعلقاته كاملة، وسط معلومات تشير إلى أن السعودية سهّلت خروجه بعدما حاول الانتقالي فرض قيود على تحركاته، في مشهد يذكّر بتقييد الحوثيين للرئيس هادي في 2015. بخروج العليمي، دخل المجلس الرئاسي في حالة شلل كامل، بينما أصبحت السلطة الفعلية — بما فيها حضرموت والمهرة — بيد الانتقالي كأمر واقع. 

 

وقد عقد عيدروس الزبيدي أول اجتماع لهيئة رئاسة المجلس بعد التمدد الجديد، دون أن يصدر موقف واضح يشرح وجهته المقبلة، بينما دعت هيئاته التنفيذية في عدد من المحافظات مثل عدن إلى تنظيم اعتصامات مفتوحة للمطالبة بإعلان الانفصال.

 

في المقابل، عاد عضو المجلس الرئاسي ومحافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة إلى مأرب، بينما واصل طارق صالح مهامه من المخا، وقد اتفق الرجلان في التقليل مما جرى في المحافظات الشرقية؛ إذ وصف طارق ما حدث بأنه "إعادة ترتيب مسرح عمليات"، بينما رأى العرادة أنها مجرد "نتوءات" لا تستحق القلق.

 

أما السعودية التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس 2015، فما يزال وفدها الأمني العسكري برئاسة اللواء محمد عبيد القحطاني في المكلا، في محاولة لاحتواء التوتر، خصوصًا بعد انهيار الاتفاق بين حلف قبائل حضرموت والسلطة المحلية.

 

 فقد التزم الحلف ببنود الاتفاق، بينما نفذ الانتقالي خطوة مضادة بالسيطرة على مواقع الشركات النفطية ومناطق نفوذ الحلف. ولهذا يطالب الوفد السعودي قوات الانتقالي بالانسحاب خارج حضرموت، بينما يصرّ الانتقالي على أن تلك المناطق "ضمن أرضه".

 

وتسعى الرياض إلى تمكين قوات "درع الوطن" — التي أنشئت بقرار من العليمي بدعم سعودي — من استلام المؤسسات الحكومية في حضرموت والمهرة. وقد تمكنت بالفعل من استلام مقر اللواء 23 ميكا في العبر وتأمين الطريق الدولي المؤدي إلى السعودية عبر منفذ الوديعة. غير أن الانتقالي منعها من الانتشار في سيئون وبقية مدن الوادي. وفي المقابل، تسلّمت درع الوطن مهمة تأمين مطار الغيضة ومنفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان، التي تراقب بقلق التغيرات في محيط نفوذها التقليدي.

 

ويرى مراقبون أن هذه التطورات تأتي في ظل توتر بين الرياض وأبوظبي في ملفات عديدة، أبرزها الملف السوداني، حيث طلبت السعودية دعمًا أمريكيًا لمبادرة وقف الحرب، وهو ما ضايق الإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع. ويرجح مراقبون أن أبوظبي أرادت خلط الأوراق في اليمن للضغط على الرياض، عبر تغيير موازين القوى في المحافظات الحدودية الحساسة.

 

ومع سيطرة الانتقالي على حضرموت — وهي المحافظة ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى للسعودية — بات السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف سترد الرياض؟

 

تشير بعض المصادر إلى أن الرياض ستواصل الضغط على الانتقالي لسحب قواته من حضرموت وتمكين قوات درع الوطن، وهو ما لا يبدو أن الانتقالي سيوافق عليه، إذ سيفقده عمليا المكاسب العسكرية التي حققها والتي تعزز موقفه السياسي.

 

بالنسبة للانتقالي، فبرغم أنه حقق انتصارًا عسكريًا سريعًا، إلا أنه يقف أمام مأزق سياسي كبير: لا يستطيع إعلان الانفصال ما دامت السعودية تعارضه. فالإمارات تدعمه سياسيًا وإعلاميًا، لكنها غير قادرة على ضمان اعتراف دولي أو تأمين مقومات الدولة الجديدة وحدها. كما أن أي إعلان أحادي سيُدخل اليمن والمنطقة في أزمة قانونية وجيوسياسية واسعة.

 

وإزاء هذا المشهد المضطرب، تبقى السيناريوهات كلها مفتوحة، ويظل مستقبل حضرموت والمهرة — والشرعية نفسها — معلقًا بقرار لن يصدر من عدن ولا من المكلا، بل من الرياض وأبوظبي.