سالم الخنبشي في مهمة صعبة بحضرموت
يعود سالم الخنبشي ليقود محافظة حضرموت للمرة الثانية بعد تعيينه بقرار من مجلس القيادة الرئاسي يوم الخميس 28 نوفمبر 2025، في خطوة يُنظر إليها بأنها محاولة لاحتواء التصعيد الأمني والعسكري المستمر منذ أشهر في أكبر محافظات اليمن من حيث المساحة وأهميتها الاقتصادية والسياسية.
ويأتي هذا التعيين في وقت يختلف فيه المشهد عن الماضي، إذ أن حضرموت اليوم تواجه شبكة معقدة من القوى المحلية والخارجية، ما يجعل مهمة المحافظ الجديد أكثر صعوبة وتعقيدًا مما كانت عليه خلال فترته السابقة بين عامي 2008 و2011، حين كانت الدولة تسيطر على جميع مؤسساتها بشكل أكبر وكانت الحكومة المركزية أكثر قدرة على فرض نفوذها في أرجاء البلاد.
حضرموت بين القوى العسكرية والسياسية
يتسم المشهد الراهن في حضرموت بتعدد التشكيلات العسكرية والسياسية؛ فهناك قوات "النخبة الحضرمية"، وهي قوة رسمية تأسست عقب تحرير المكلا من تنظيم القاعدة عام 2016، وتلعب دورًا مهمًا في حفظ الأمن والاستقرار.
إلى جانبها، تظهر مليشيات مسلحة من خارج المحافظة تتبع "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيًا، والتي زاد عدد أفرادها مؤخرًا، فضلاً عن تشكيل جديد تابع لها باسم "الدعم الأمني" بقيادة صالح بن الشيخ أبو بكر المعروف باسم أبو علي الحضرمي، وهو شخصية لها ارتباطات سابقة بمشروع إيران في المنطقة.
في المقابل، تبرز قوات محلية حديثة باسم "حماية حضرموت"، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، وكيل المحافظة ورئيس حلف قبائل حضرموت، ورئيس مؤتمر حضرموت الجامع، الكيان السياسي والاجتماعي الذي تأسس عام 2019 بدعم سعودي، ويشكل حاليًا قوة محورية في المشهد السياسي والأمني بالمحافظة.
وسط هذه التعقيدات الأمنية والسياسية، يأتي اختيار الخنبشي كخطوة استراتيجية لمحاولة استقرار الوضع وتجنب انزلاق حضرموت نحو صراع مسلح كما حصل في محافظات جنوبية أخرى.
لماذا تم اختيار الخنبشي؟
يستند اختيار الخنبشي على عدة اعتبارات:
أولاً: شخصيته الهادئة والعقلانية، والتي لم تُسجل لها أي مواقف سلبية تجاه أي طرف محلي.
ثانياً: خبرته السابقة في إدارة شؤون المحافظة، والتي تمنحه القدرة على التعامل مع التعقيدات الأمنية والسياسية التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.
التأثير الإقليمي على الوضع في حضرموت
ورغم ذلك، يواجه المحافظ الجديد تحديات كبيرة، فقد أصبح الوضع في حضرموت أقرب إلى صراع مفتوح بين قوى محلية وخارجية متنافسة، حيث يمتلك كل طرف دعمًا خارجيًا من دول التحالف العربي.
فعلى سبيل المثال، تتمتع السعودية بنفوذ في وادي حضرموت وكذلك في الساحل، فيما للإمارات حضور قوي في الساحل، عبر قوات في مطار الريان وميناء الضبة الذي تحوّل إلى قاعدة عسكرية صغيرة، وقد امتد هذا النفوذ للوادي بعد سيطرة أداتها المحلية ممثلة بالانتقالي على سيئون وعدد من مدن الوادي الأربعاء 3 ديسمبر الجاري.
هذا الواقع يضع الخنبشي أمام تحدٍ حقيقي في إدارة المحافظة، إذ أن أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى تصعيد أمني واسع وتفجر نزاعات عسكرية بين القوى المتصارعة.
وفي هذا الإطار، يشير السياسي هاني علي سالم البيض إلى أن "ما يجري في حضرموت من تصعيد واسع لا تزال خيوطه بيد الرياض وأبو ظبي، اللتين تمتلكان القدرة على تهدئة الموقف أو دفعه نحو مسارات أكثر تعقيدًا". ويرى البيض أن "قرارًا سياسيًا إقليميًا تبلور مؤخرًا يميل إما إلى إزاحة طرف أو دفع الأطراف إلى احتكاك مباشر يعيد فرز القوى، في اختبار لقدرة كل قوة ووزنها الحقيقي على الأرض".
مهام وتحديات الخنبشي في حضرموت
يمكن النظر إلى مهام المحافظ الجديد من زاويتين رئيسيتين:
أولًا: ضبط الوضع الأمني
تشمل هذه المهمة إعادة السيطرة الفعلية على الأرض بما يضمن خفض التصعيد بين الأطراف المسلحة. ويعتبر التعامل مع قضية استقدام المليشيات من خارج حضرموت جزءًا رئيسيًا من هذه المهمة، والتي تهدف إلى فرض النفوذ بالقوة.
في نظر حلف قبائل حضرموت، يمثل هذا الاستقدام انتهاكًا للسيادة المحلية ويزيد من احتمالات الصدام، ويعتبر وقف هذه العمليات وانسحاب هذه القوات خطوة أساسية لإعادة التوازن السياسي والأمني في المحافظة.
وفي هذا السياق، يرى السياسي الحضرمي فيصل البطاطي أن هذا الزحف العسكري الذي يدفع به المجلس الانتقالي نحو حضرموت ليس سوى إعلان صريح عن نهاية مشروعه القروي، مؤكدًا أن حضرموت لم تتمرد يومًا، بل طالبت بحقوقها من داخل إطار الدولة، وأن المليشيا التي يساندها الانتقالي تزحف اليوم لإخضاع أهلها.
ثانيًا: تعزيز الشراكة المحلية
تتمثل هذه المهمة في تعزيز الشراكة السياسية والاجتماعية مع الحلف ومؤتمر حضرموت الجامع، لإشراكهما في إدارة شؤون المحافظة على نحو يحقق مطالبهم في "الحكم الذاتي"، وتحسين الخدمات الأساسية، وتسخير عائدات النفط لصالح التنمية المحلية.
وبرغم أن مطلب الحكم الذاتي يتجاوز صلاحيات المحافظ، إلا أن الأخير قادر – بحسب إعلان رئيس المجلس الرئاسي خلال زيارته للمكلا في يونيو 2023 – على الدفع نحو تطبيق نظام حكم محلي واسع الصلاحيات إداريًا وماليًا وأمنيًا، وهو خيار دستوري وأكثر واقعية في المرحلة الحالية.
غير أن هذا التوجه يواجه اعتراضًا من الانتقالي الذي يواصل الإصرار على فرض أمر واقع أقرب إلى "الإدارة الذاتية"، في الوقت الذي يرفض فيه منح الحضارم إدارة شؤون محافظتهم بشكل مستقل، الأمر الذي يعقّد فرص التفاهم حول ترتيبات الحكم المحلي في حضرموت.
التوازن بين الأطراف المحلية والخارجية
يواجه الخنبشي تحديًا آخر يتمثل في التوازن بين الأطراف المحلية والخارجية. فبينما يحتاج دعم المجلس الرئاسي في بعض القرارات وهو أمر غير مضمون في ظل الانقسامات، خصوصا مع رغبة الانتقالي في فرض مشروعه الانفصالي بالقوة، تُصبح قدرة المحافظ على إدارة العلاقة بين هذه الأطراف واستخدام الحوار والوساطات القبلية والسياسية مهمة بالغة الصعوبة.
ولذلك، فإن اختبار الخنبشي الحقيقي لا يقف عند الجانب الأمني وحده، بل يشمل معالجة الملفات الاقتصادية والإدارية، بما في ذلك تنظيم الموارد النفطية وحل قضايا الأراضي الممنوحة لمستثمرين إماراتيين، وضمان شفافية إدارة الأموال العامة، ومنع الفساد الإداري، وهذه القضايا كانت في صدارة تحركات حلف قبائل حضرموت.
هذه الخطوات من شأنها تهدئة التوترات المجتمعية والقبلية، لأنها تعالج أحد أهم أسباب الاحتقان الداخلي في حضرموت، والذي تفاقم خلال فترة المحافظ السابق مبخوت بن ماضي.
في النهاية، تتطلب مهمة سالم الخنبشي إدارة دقيقة توازن بين قوة الدولة والمجتمع المحلي، مع استيعاب البعد الدولي والإقليمي الذي يؤثر على المحافظة. ويُقاس نجاحه بقدرته على إعادة التوازن إلى المشهد السياسي والأمني، وخلق بيئة مستقرة تسمح بتطوير الخدمات، وتحسين الاقتصاد المحلي، وتأكيد سيادة حضرموت على أراضيها وثرواتها.
وفي ضوء هذه المهمة المركبة، يبرز السؤال الحاسم: هل سيتمكن من استعادة حضرموت لمكانتها كمحافظة مستقرة وآمنة، أم ستظل التوترات قائمة وربما ما هو أسوأ من ذلك؟