أبو علي الحضرمي: "مهندس الظل".. من ضاحية بيروت إلى معركة كسر العظم في حضرموت

2025-12-03 17:57 الهدهد/ خاص
أبو علي الحضرمي: "مهندس الظل".. من ضاحية بيروت إلى معركة كسر العظم في حضرموت
أبو علي الحضرمي: "مهندس الظل".. من ضاحية بيروت إلى معركة كسر العظم في حضرموت

في الوقت الذي تشهد فيه محافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن، غليانًا سياسيًا وعسكريًا غير مسبوق، عاد اسم "أبو علي الحضرمي" (صالح بن الشيخ أبو بكر) ليتصدر المشهد، ليس كسياسي، بل كـ "دينامو" عسكري وأمني يدير التحركات على الأرض. الرجل الذي ظل لعقود يتحرك في المنطقة الرمادية بين العمل السري والعسكري، يخرج اليوم من الكواليس لقيادة ما قد تكون "المعركة الفاصلة" للمجلس الانتقالي الجنوبي في الهضبة والساحل. ​فمن هو هذا الرجل الذي تضعه الرياض على "القوائم السوداء"، بينما تعتبره دوائر في الانتقالي "رجل المهمات الصعبة"؟

​الجذور والنشأة: من قصيعر إلى المنفى

​ينحدر صالح بن الشيخ أبو بكر، المعروف حركياً بـ "أبو علي الحضرمي"، من مدينة قصيعر الساحلية بحضرموت، وهي المدينة ذاتها التي ينحدر منها الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض. ينتمي الحضرمي لأسرة "آل الشيخ أبوبكر" التي تحظى بمكانة اجتماعية وتدعي النسب الهاشمي، وهو عامل سيتم استثماره لاحقاً في نسج علاقاته الإقليمية. ​برز اسمه فعلياً عقب حرب صيف 1994، تلك الحرب التي انتهت بهزيمة المشروع الانفصالي، ليغادر الحضرمي البلاد ضمن الدائرة الضيقة جداً المحيطة بعلي سالم البيض. كانت وجهة المنفى تشمل محطات عدة، لكن المحطة الأبرز والأكثر تأثيراً في تكوين شخصية الرجل كانت جنوب لبنان

​محطة  التدريب والتحول العقائدي

​تشير تقارير استخباراتية ومعلومات متواترة إلى أن الحضرمي لم يكن مجرد مرافق في المنفى، بل تحول إلى "ضابط ارتباط" محوري بين مكتب البيض وقيادة حزب الله اللبناني. ​في الضاحية الجنوبية لبيروت، يُعتقد أن الحضرمي تلقى تدريبات أمنية وعسكرية مكثفة على يد خبراء الحزب وبدعم إيراني مباشر. تتجاوز المعلومات الجانب العسكري لتشير إلى تحول عقائدي، حيث تتحدث المصادر عن اعتناقه للمذهب الشيعي في وقت مبكر، مما سهل عليه بناء جسور الثقة مع طهران وحزب الله، ليصبح المنسق الأول لملف الدعم الإيراني للحراك الجنوبي المسلح لاحقاً.

​تأسيس "حتم" والجذور المشتركة مع الزبيدي

​تعتبر علاقة الحضرمي برئيس المجلس الانتقالي الحالي، عيدروس الزبيدي، علاقة رفاقية وتاريخية تعود لمنتصف التسعينيات. في عام 1996، كان الحضرمي أحد مهندسي حركة "حتم" (حركة تقرير المصير)، حيث تولى أمانتها العامة بينما كان الزبيدي قائدها العسكري. ​لم تكن "حتم" مجرد حركة احتجاجية، بل كانت نواة لعمل مسلح منظم. وتفيد المعلومات بأن الحضرمي استغل علاقاته الإقليمية (الإيرانية) لتجنيد عشرات الشباب الجنوبيين ونقلهم عبر قنوات سرية إلى معسكرات في صعدة (معقل الحوثيين) ولبنان لتلقي دورات تدريبية، وذلك في إطار مشروع يهدف لخلخلة النظام اليمني آنذاك من الجنوب والشمال معاً.

السعودية وملف القنصل السعودي

​عقب تحرير عدن في 2015، عاد الحضرمي إلى الواجهة بصفة رسمية كمستشار لمحافظ عدن آنذاك عيدروس الزبيدي في عام 2016. ظهر حينها في مقطع فيديو نادر، متحدثاً بلهجة العسكري الصارم، ومعرفاً نفسه بـ "ابن الأرض" ومستشار البيض لـ 21 عاماً، وكاشفاً عن قيادته لـ "لواء الحماية الأمنية" في جبل حديد الاستراتيجي. ​لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً. مارست المملكة العربية السعودية ضغوطاً هائلة، بالتنسيق مع الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، أفضت إلى إبعاده عن المشهد الرسمي وعن عدن .

​لماذا هذا الغضب السعودي؟ تتداول الأوساط السياسية والأمنية اتهامات خطيرة للحضرمي بالتورط في ملف اختطاف نائب القنصل السعودي في عدن، عبدالله الخالدي، عام 2012. تشير الروايات غير الرسمية إلى أن الحضرمي كان حلقة وصل في العملية التي انتهت بتسليم القنصل لتنظيم القاعدة، وهي تهمة جعلته "شخصاً غير مرغوب به" بشكل قاطع لدى الرياض، وصنفته كتهديد أمني مباشر.

​العودة كقائد "الظل" في حضرموت

​رغم إبعاده عن الواجهة الرسمية، لم يغب الحضرمي عن "المطبخ السري" للمجلس الانتقالي. مؤخراً، ومع تصاعد الصراع للسيطرة على وادي وصحراء حضرموت، ظهر الحضرمي مجدداً، ولكن هذه المرة بصفة ميدانية خطيرة: قائد ألوية الدعم والإسناد الأمني. ​هذه القوات لا تتبع وزارة الداخلية اليمنية ولا تندرج ضمن الهيكل الرسمي للدولة، بل تُوصف بأنها "ذراع موازي" يتبع المجلس الانتقالي مباشرة، وتتلقى تمويلاً وتسليحاً خاصاً (مدعوما من أبوظبي).

​مهمته الحالية: يقود الحضرمي حالياً عملية التحشيد العسكري والشعبي في حضرموت، بهدف: _ اكمال السيطرة على ساحل وهضبة حضرموت و​إسقاط مناطق الوادي والصحراء: التي تسيطر عليها قوات المنطقة العسكرية الأولى. _ ​مواجهة النفوذ القبلي: تحديداً كسر شوكة "حلف قبائل حضرموت" ومؤتمر حضرموت الجامع بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، الذي يرفض تبعية حضرموت للمجلس الانتقالي. _ ​فرض الأمر الواقع: عبر نشر قوات "النخبة الحضرمية" (الموالية للانتقالي) وتشكيلات "الدعم الأمني" المستحدثة.

​التصعيد الخطير تهديد القبائل وردة الفعل الشعبية

​في سياق تحركاته الأخيرة لفرض السيطرة، تجاوز الحضرمي الخطوط الحمراء الاجتماعية الراسخة في حضرموت، موجهاً تهديدات علنية ومباشرة لقيادة حلف قبائل حضرموت، وعلى رأسهم الشيخ عمرو بن حبريش. في تصريحات نارية عكست نفساً عسكرياً صدامياً، لوّح الحضرمي باستخدام القوة لكسر ما وصفه بـ "العقبات" أمام مشروع الانتقالي، ملمحاً إلى استهداف قيادات الحلف إذا ما استمرت في معارضة التمدد العسكري للقوات المستحدثة. ​هذه اللغة الاستعلائية والوعيد المبطن تجاه رمزية قبلية واجتماعية بحجم بن حبريش والحلف، قوبلت بـ رفض شعبي وقبلي واسع النطاق. انتفضت المكونات الحضرمية (من مقادمة قبائل، وشخصيات اجتماعية، ونخب سياسية) مستنكرة هذا الخطاب، ومعتبرة إياه "دخيلًا" على أعراف حضرموت، ومحاولة لجر المحافظة الآمنة إلى مربع الاقتتال الأهلي. ​وقد أدت تهديدات الحضرمي إلى نتائج عكسية تماماً لما أراده؛ فبدلاً من إخافة الخصوم، زادت من حالة الاصطفاف القبلي حول الشيخ عمرو بن حبريش، وعمقت الفجوة بين المجتمع الحضرمي والقوات التي يقودها الحضرمي، والتي بات قطاع واسع من المواطنين ينظر إليها كـ "أدوات قمع" لا كقوات حماية، مما زاد من تعقيد مهمة الانتقالي في كسب الحاضنة الشعبية في الهضبة والوادي.

 ورقة "الجوكر" الخطرة ​يُمثل أبو علي الحضرمي نموذجاً لـ "رجل الظل" الذي يتم استدعاؤه عند الحاجة لتنفيذ أجندات تتطلب حنكة أمنية وقسوة عسكرية. يجمع الرجل بين "الشرعية الثورية" كرفيق للبيض والزبيدي، وبين "الغموض الأمني" كخريج لمدرسة الضاحية الجنوبية. ​عودته القوية اليوم إلى حضرموت ليست مجرد زيارة عابرة، بل هي مؤشر على قرار بـ "الحسم العسكري" أو "الفوضى المنظمة" لانتزاع المحافظة النفطية من خصوم الانتقالي، في معركة يبدو أن الحضرمي قد أعد لها منذ سنوات طويلة في دهاليز المنفى.