حين يضيق الإرث بالعائلة: صراع النفوذ بين أحمد وطارق

2025-12-03 20:52 الهدهد/خاص:
صراع أحمد علي وابن عمه طارق يتركز  على خلافة إرث صالح
صراع أحمد علي وابن عمه طارق يتركز على خلافة إرث صالح

 

أثار غياب أيٍّ من أولاد علي عبدالله صالح عن حضور فعالية إحياء الذكرى الثامنة لما يُطلق عليها "انتفاضة" الثاني من ديسمبر 2017 والتي قُتل فيها صالح على يد حلفائه الحوثيين، والتي أقامها "المكتب السياسي" الذي يقوده العميد طارق صالح في محافظة تعز الثلاثاء الثاني من ديسمبر، تساؤلات حول أسباب هذا الغياب، وما إذا كان مرتبطًا بخلافات خفية أو غير معلنة بين الأسرتين حول إرث صالح السياسي والاجتماعي. 

تساؤلات أولية حول خلفيات الغياب

وقد طرح الصحفي المقرب من أسرة صالح، عدنان الأعجم تساؤلًا عبر حسابه على منصة "إكس" حول غياب أبناء علي عبدالله صالح عن حضور هذه الفعالية. وخلال السنوات الماضية، حرص طارق صالح على تحويل هذه المناسبة، من خلال الإعداد والتحضير لها بعناية، إلى منصة سياسية ثانوية يُراد من خلالها توجيه رسائل سياسية. وقد بدا ذلك واضحًا كجزء من محاولة إظهار نفسه الأقرب إلى صالح وإلى إرثه، والتأكيد على أن ما يقوم به يمثل امتدادًا لمشروع الانتقام له، وأنه يرغب—بشكل أو بآخر—في تثبيت مكانته كوريث سياسي، بصفته المتواجد في الميدان والقادر على بناء قوة عسكرية وجمع شتات أنصار عمه.

في المقابل، اكتفت أسرة صالح ممثلة بنجله الأكبر السفير أحمد صالح بإحياء مناسبة هذا العام من خلال كلمة كرّر فيها دعواته لليمنيين بالاصطفاف والتوحّد، دون أن تحمل هذه الكلمة أي جديد، بل أعادت الرسائل نفسها التي اعتاد عليها.

عودة سياسية عبر بوابة العمل التنموي

كان العميد أحمد قد دشّن عودته إلى المشهد العام بعد رفع العقوبات عنه من مجلس الأمن، وذلك في خطابٍ متلفز لأول مرة في الذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وجاءت كلمته قوية من حيث مضمونها الوطني. وهي المرة الأولى التي يوجّه فيها دعوة واضحة للأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين للاصطفاف والخلاص مما وصفه بـ"الكهنوت الحوثي".

وقد تزامنت هذه العودة مع تدشينه أعمال "مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية"، الذراع التنموية والاجتماعية لأسرة صالح، والتي يرأس مجلس إدارتها بعد توقف لسنوات. ولا يمكن قراءة هذا التدشين بوصفه نشاطًا خيريًا فحسب، بل باعتباره عودة سياسية محسوبة إلى المشهد اليمني عبر بوابة العمل الإنساني والتنمية المحلية. 

فهذا النشاط لا يقتصر على قيمته الاجتماعية، بل يمثل أداة لإعادة بناء النفوذ وشبكة الارتباطات الشعبية، فحين يتجه أحمد علي نحو القطاعات الأكثر التصاقًا بحياة الناس—المياه، التعليم، الصحة—فهو بذلك يعيد صياغة حضوره السياسي عبر الشرعية الاجتماعية، وهي شرعية تتجاوز الخطاب السياسي التقليدي وتؤسس لقاعدة دعم حقيقية على الأرض، خصوصًا في ظل غياب الدولة وضعف مؤسساتها.

كما إدارة مشاريع بهذا الحجم تمنح أحمد علي القدرة على بناء شبكة نفوذ اجتماعي واقتصادي تمتد إلى المحافظات المحررة، وتُعيد تموضعه كفاعل رئيسي قادر على بناء صورته، وتوسيع قاعدته الشعبية، وخلق حضور فعلي في الميدان، بما يمهّد لاحقًا لمسار سياسي قد يتعزز مع تطورات المرحلة المقبلة.

إرث العائلة… بين الماضي والتحولات السياسية

كان أحمد علي عبدالله صالح يشغل منصب قائد قوات الحرس الجمهوري، القوة العسكرية الضاربة في الجيش اليمني حينها، وكان يُعتقد على نطاق واسع أنه الوريث لوالده. وقد كانت قضية التوريث أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في اندلاع ثورة 11 فبراير ضد علي صالح في 2011. 

بعد تولّي عبدربه منصور هادي السلطة، تم عزل أحمد علي وغيره من القيادات العسكرية المقربة من صالح من مناصبهم، وتم تعيين أحمد علي سفيرًا لليمن لدى الإمارات. ومنذ عام 2013 بقي في الإمارات معتكفًا وعندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء والدولة عام 2014 بتحالف مع والده، اتخذ مجلس الأمن القرار 2216 الذي فرض بموجبه عقوبات على صالح ونجله باعتبارهما سهّلا تقويض العملية الانتقالية والأمن والاستقرار. وبقي أحمد علي تحت العقوبات، وظلّ أنصاره يردّدون أنه ليس بمقدوره فعل أي شيء طالما هو تحت العقوبات، والتزم الصمت حتى مقتل والده على يد الحوثيين في ديسمبر 2017.

كان السؤال الدائم حينها: لماذا لا يعود أحمد علي للمشهد السياسي؟ وكان الجواب يتكرر بأن أحمد لا يستطيع التحرك طالما هو يرزح تحت العقوبات الدولية، حتى إن البعض رأى أن مواقفه الضعيفة ضد الحوثيين أدت إلى إحباط وخيبة أمل لدى أنصار صالح، وكان يُقال إن أحمد علي يفتقد للكاريزما مقارنة بوالده.

وعندما رُفعت العقوبات عنه في يوليو الماضي، شهدت المدن التي ينتشر فيها أنصار صالح احتفالات واسعة، ما دلّ على أن أحمد علي لا يزال شخصية قابلة لاستعادة النفوذ.

ويرى كثيرون أن رفع العقوبات كان نتيجة دور سعودي–إماراتي أكثر مما كان نتيجة دور مجلس القيادة الرئاسي الذي يشغل طارق عضوا فيه، والذي كان يوحي -أي طارق- من خلال نشاطه الإعلامي بأنه صاحب فضل في رفع العقوبات، في محاولة صرف الأنظار عن الخلافات بينهما المتعلقة بالتنافس على إرث علي صالح.

 

جذور الخلاف… مشروعان متصادمان داخل الأسرة الواحدة

 

وبحسب مصدر مقرّب من أحمد علي عبدالله صالح – فضّل عدم ذكر اسمه – فإن أول خطوات الخلاف بين أحمد علي وطارق بدأت في مارس 2025 عندما أعلن طارق تشكيل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية التي يقودها، والذي بدأ أشبه بحزب سياسي يُراد له أن يرث المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه عمه صالح في ثمانينيات القرن الماضي. وقد استقطب طارق الكثير من القيادات المؤتمرية، بما في ذلك أعضاء في مجلس النواب، حتى أصبح المكتب السياسي يمتلك كتلة برلمانية كبيرة. وقد شعر أحمد علي، الذي كان نائب رئيس المؤتمر منذ 2019، بأن هذه الخطوة تمثل محاولة من طارق لتقويض الإرث السياسي الذي يعتمد عليه أحمد في عودته للمشهد، وعودة أسرته إلى السلطة.

ويرى أنصار أحمد أن من حق طارق إنشاء ما يشاء من كيانات سياسية، لكن، لكن ليس على حساب المؤتمر، الذي لا يزال حزبًا قائمًا رغم انقساماته إلى جناح موالٍ للحوثيين، وآخر محسوب على الشرعية، وثالث محسوب على أبوظبي، وكل منهم يرى نفسه الممثل الحقيقي للمؤتمر.

وبالنسبة لطارق صالح، فقد حاول مصدر مقرّب منه – وهو أيضًا فضّل عدم ذكر اسمه – في البداية نفي وجود خلافات، قائلاً إن الرجلين، أحمد وطارق، متفقان فيما يتعلق بمناهضة الحوثيين واستعادة الدولة وأنهم كأسرة واحدة لا توجد بينهم خلافات. وعندما سُئل عن عملية استقطاب قيادات المؤتمر، والتي يُنظر إليها على أنها تمهد الطريق ليكون طارق هو رئيس المؤتمر في المستقبل، ثم الترشح لرئاسة الجمهورية، قال إن طارق لا يستهدف المؤتمر بقدر ما يريد الحفاظ على المؤتمر وتماسكه في ظل الانقسامات التي تعصف به منذ مقتل صالح.

لطالما كان أحمد علي، الذي يحمل رتبة عميد ركن، أقرب له لخلافة والده في السنوات الماضية حتى قطعت الثورة الطريق عليه تماما.

وحين سُئل المصدر المقرب من طارق عمّا إذا كان بالفعل محظوظًا، قال في حديثه لمنصة "الهدهد": قد يبدو الأمر كذلك في الظاهر، لكن لا أحد من المقربين منه – ولا حتى طارق نفسه – كان يتوقع أن يصبح نائب رئيس الدولة بهذه السهولة، حيث جاء اختياره عضوًا في المجلس الرئاسي نتيجة تفاهمات سعودية–إماراتية أكثر منه نتيجة جدارة سياسية أو دور عسكري كبير. فدور قوات طارق في تحرير الأراضي من الحوثيين محدود، ونفوذه جاء بفعل الدعم الإماراتي أكثر مما هو من نتائج قتال مباشر على الأرض".

في المقابل، يقول المصدر المقرب من أحمد علي أن الأنظار قبل 2011 كانت تتجه نحو أحمد علي كوريث محتمل، لكن الآن أصبح طارق أصبح على بعد خطوة واحدة من منصب رئيس الجمهورية، مما يجعله أكثر حظًا من أحمد. فقد تجاوز طارق مسألة ترتيب وضعه السياسي، حيث أقام تحالفات واستفاد من الدعم المالي الإماراتي في شراء ولاءات القيادات المؤتمرية بما في ذلك الشخصيات الاجتماعية".

من المعروف أن كثيرًا من مؤيدي المؤتمر في عهد صالح كانوا يعتمدون على الامتيازات التي يحصلون عليها من الدولة باعتبارهم حزبًا حاكمًا، وبما أن طارق أصبح جزءًا من الدولة كنائب للرئيس، ويمتلك دعمًا إماراتيًا، فقد أصبح قادرًا على دعم المؤتمريين وتعيينهم في مناصب مختلفة، وهذا ما جعل البعض ينظر إليه كخليفة صالح الأكثر جاهزية واستعدادًا، وهو ما يثير امتعاض أحمد علي الذي يرى أن البساط يُسحب من تحت أقدامه.

ويرى المصدر المقرب من أحمد علي أن أول خطوة يجب أن يقوم بها أحمد بعد عودته إلى المشهد السياسي هي جمع شتات أجنحة المؤتمر المختلفة، لتوحيدها ومن ثم قيادة الحزب، وهو يرى أن هذه المهمة ستكون صعبة ودونها تحديات وتتطلب جهودا مضاعفة.

 

صراع الروايتين… من كان مع صالح في لحظاته الأخيرة؟

 

ظلّت الخلافات بين أحمد وطارق غير معلنة حتى قررت أسرة صالح الإفصاح عن روايتها لما حدث في الثاني من ديسمبر 2017، وهو اليوم الذي ظلت سرديته حكرًا على طارق لسنوات بما يخدم شخصيته أكثر من أي شيء آخر كما اتضح لاحقا. جاءت هذه الرواية في فيلم وثائقي بثته قناة العربية السعودية في يوليو الماضي، وكان لافتًا فيه الظهور الأول لمدين صالح، والذي لم يكن ليظهر دون موافقة شقيقه الأكبر أحمد.

هذه الرواية جاءت ضمن فيلم وثائقي بثته قناة العربية السعودية في يوليو الماضي، وقد كان لافتا فيه ظهور مدين نجل صالح لأول مرة ولم يكن ظهوره ممكنا لولا موافقة شقيقه الأكبر أحمد.

وقد أثار الفيلم الكثير من الجدل، لأنه بدا خاليًا تمامًا من ذكر أي دور لطارق، ووفقًا لما ذكره مدين، فإنه هو وشقيقه الآخر صلاح كانا إلى جانب والده في اللحظات الأخيرة في منزلهم في الدثينة بحدة بصنعاء، وهو ما نسف الرواية التي روّج لها طارق صالح على مدى السنوات الماضية بأنه كان بجوار عمّه أثناء المعركة، وأن صالح قُتل دفاعًا عن نفسه في منزله.

لقد قدّم مدين روايته، وبدت مختلفة تمامًا عما قدمه طارق، مما شكّل أول دليل علني على وجود خلافات بين طارق وأحمد، فالأسرة قدّمت روايتها في وقت بدا أنه مناسب بالنسبة لها، بعد سنوات ظل فيها طارق يقدم نفسه بوصفه "الفدائي" الذي كان مع عمه في اللحظات الأخيرة، وأنه لم يفارقه إلا بعد مقتله وأن مغادرته صنعاء كانت بهدف إعادة بناء القوة العسكرية للانتقام لاحقا. لكن شهادة مدين أظهرت أن طارق لم يكن موجودًا في اللحظات الأخيرة، وأن من كان مع صالح هما ولَداه فقط، وهذا بحد ذاته مثّل تضاربًا واضحًا مع الرواية التي بنى عليها طارق جزءًا كبيرًا من شرعيته السياسية في السنوات الأخيرة.

ووفقًا لمصدر مقرب من طارق، فإن ظهور مدين كان بمثابة ضربة سياسية لطارق، وقد استاء كثير من أنصار طارق من هذه الرواية، حتى أنهم انتقدوا ظهور مدين، واعتبروا أنه يضعف الرواية التي اعتمد عليها طارق لتأكيد دوره التاريخي في حماية عمه، وأن كل ما روّجه مجرد رواية سياسية لاستثمار مقتل صالح.

 

طموحان متوازيان وصراع لا ينتهي

 

تبدو الخلافات بين أحمد علي وطارق مرشّحة للتصاعد أكثر، بفعل عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، وفي مقدمتها الطموح السياسي الواضح لدى الرجلين.

فطارق لم يعد ذلك الضابط المكلّف بحراسة عمه، بل أصبح نائبًا لرئيس الدولة، وأقرب إلى زعيم حزب سياسي، ومن الصعب تخيّل عودته إلى طبيعته العسكرية البحتة أو تراجعه عن هذا المسار. كما أن المكاسب التي حققها جاءت جزئيًا بفضل إرث ونفوذ عمه، وهو ما يجعل ذلك النفوذ نفسه موضع صراع، سواء حدثت تسوية أم استمر الوضع على ما هو عليه.

 

ومن جانبه، فإن وضع أحمد علي اليوم مختلف هو الآخر؛ فقد تجاوز مرحلة الاعتكاف الإجباري، وخرج من دائرة العقوبات الدولية، وبات في موقع يسمح له بتفعيل طموحه والدفاع عنه، ولا يمكنه – على الأقل – ترك إرث والده ليؤول إلى طارق وإخوته، بينما يكتفي هو وإخوته بالمشاهدة من الخارج.