الموارد السيادية في مَهَب النهب.. "الهدهد" يكشف حجم النهب المنظم من "الانتقالي" للإيرادات
أكثر عمليات نهب الموارد بدأت منذ العام 2020، عندما أعلن الانتقالي الإدارة الذاتية، خاصة أنه تم ركز على الاستيلاء، على المرافق الإيرادية الكبرى مثل ميناء عدن بشقيه الرئيسيين: ميناء المعلا وميناء الحاويات في المنطقة الحرة (كالتكس)، وكذلك إجبار المصانع والمنشآت الاقتصادية على دفع مبالغ ضخمة -بطرق غير قانونية- وبشكل يومي، وفي مقدمتها مصانع الأسمنت، فضلاً عن جباية عشرات الملايين من خلال نقاط التفتيش المنتشرة في الشوارع والمداخل والمخارج الرئيسية للمدن والمحافظات.
في هذا التقرير، يكشف "الهدهد" استناداً على وثائق ومستندات رسمية، حجم النهب المنظم للإيرادات من قبل "المجلس الانتقالي"، لفترة "الإدارة الذاتية"، من أبريل حتى يوليو 2020، وهي كانت بمثابة تجربة للانتقالي اختبر فيها قدرته على السطو ونهب الموارد الاقتصادية، وبعدها أحكم قبضته على معظم هذه الموارد مستغلاً ضعف مؤسسات الدولة، أو عدم وجودها، خاصة في العاصمة المؤقتة عدن، بعدما أصبح "الانتقالي" هو المسيطر على المؤسسات والوحدات والمنشآت الحكومية، بعد سلسلة من المعارك العسكرية، خاضها ضد القوات التابعة للحكومة الشرعية خلال عامي 2018، و2019، وكذلك المواجهات العسكرية في محافظة أبين.
القيادي البارز اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي تولى (الإدارة الذاتية) بصفته القائم بأعمال رئيس الانتقالي في تلك الفترة، تحدث لفضائية (الغد المشرق) قائلاً: "إنهم كانوا يحصلون على مبلغ 16 مليار ريال فقط من الجمارك والضرائب، وبمعدل 4 مليارات في كل أسبوع".
اعترافات قيادات الانتقالي، بعدها توالت بالاستيلاء على مبالغ ضخمة، خلال فترة الإدارة الذاتية، مؤكدين أنهم أجبروا المؤسسات الإيرادية على تحويل كافة الموارد المالية إلى حسابات بنكية -أنشأها الانتقالي بعيداً عن البنك المركزي- واستمر توريد المبالغ إلى تلك الحسابات، ومن يرفض أو يتلكأ، فإنه يتم تغييره على الفور، وتعيين موالين للانتقالي لضمان بقاء الموارد تحت سطوتهم.
فتحت قيادة الانتقالي حسابات خاصة باسم (الإدارة الذاتية)، في بنوك وشركات صرافة مختلفة، وبعضها كانت بأسماء قيادات بارزة في المجلس، ومنها حسابات باسم رئيس المجلس عيدروس الزبيدي.
بعدما تخلى المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية، بناء على ضغوط سعودية وإماراتية، استمرت قياداته في نهب الإيرادات في عدن ولحج وأبين والضالع، تحت مسميات عديدة، مثل (الدعم الأمني والعسكري)، وهي أهم لافتة جرى استخدامها لجباية الموارد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانتقالي، منذ انتهاء فترة الإدارة الذاتية التي كانت بمثابة فترة للتجريب، أو للنهب التجريبي حسب تعبير بعض الساخرين، وتأتي أعمال النهب التي يباشرها الانتقالي على غرار نهب الحوثيين للممتلكات، تحت لافتة (دعم المجهود الحربي).
ورغم التكتم الشديد الذي يصاحب عمليات السطو والجباية، خاصة في فترة الإدارة الذاتية، إلا أن كثيراً من الحقائق والوقائع والأرقام والوثائق، خرجت للرأي العام، إما بسبب الخلافات الداخلية بين قيادات الانتقالي، أو لقيام متضررين من أعمال النهب بتسريب وثائق ومستندات رسمية، تتضمن توجيهات بالجباية، أو سندات استلام، ممهورة بتوقيع قيادات أمنية وعسكرية تابعة للانتقالي.
الموانئ والمشتقات النفطية ومصانع الأسمنت
إن السطو على الأموال والموارد ونهبها مستمر في عدة محافظات، وفي مقدمتها العاصمة المؤقتة عدن، ويجري في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وبسندات تحصيل تثبت أعمال النهب اليومي.
وتشمل عمليات النهب والجباية المنافذ البرية والبحرية والشركات الخاصة والبنوك والمؤسسات الحكومية وشركات الصرافة والمحال التجارية والأسواق والمنشآت والطرقات والنقاط العسكرية والأمنية، المنتشرة على امتداد رقعة سيطرة الانتقالي، وقد نشبت حروب وصراعات بسبب تلك الأعمال التي تشهدها الطرقات العامة، وآخرها المواجهات التي اندلعت الشهر الماضي في محافظة أبين، على خلفية قيام مسلحين تابعين للانتقالي، بملاحقة شاحنة نقل يقودها سائق مصري، قام بتوثيق عملية الملاحقة، التي تعرض لها من خلال تصوير المسلحين بهاتفه النقال.
تصل عمليات السطو والجباية إلى مستويات غير مسبوقة، من خلال تهديد وابتزاز المنشآت والمحلات التجارية، ومنها مطاعم يتم إجبارها على تأمين وجبات كبيرة، وبأسعار باهظة للقيادات، التي تسهر على حماية البلاد، وذلك تحت مسمى "حماية"، ومن يرفض فإنه يتعرض للابتزاز وإطلاق الاتهامات الباطلة، وقد يصل الأمر إلى الإغلاق.
اعتمد المجلس الانتقالي، خلال فترة الإدارة الذاتية على ما أسماها (اللجنة الاقتصادية العليا)، التابعة بطبيعة الحال للإدارة الذاتية، وقامت هذه اللجنة التي ترأسها "عبدالسلام حُميد"، وزير النقل الحالي، بفرض رسوم وجبايات غير قانونية على المنشئات والشركات الاقتصادية والمحال التجارية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانتقالي.
وحسب إحدى وثائق اللجنة، فإن المجلس الانتقالي، طالب شركات صناعة الإسمنت- قطاع خاص، في عدن ولحج وأبين، بدفع رسوم ما وصفها بالدعم الأمني والعسكري.
وتفرض وثيقة الانتقالي الموجهة للشركات دفع مبلغ (100 ريال)، عن كل كيس أسمنت (عبوة 50 كيلو جرام)، وتوريدها إلى حسابات خاصة في شركة القطيبي للصرافة، باسم دعم اللجنة الأمنية المشتركة، (مرفق صورة الوثيقة).
وفقاً لإحصائيات خاصة، بمصنع أسمنت الوحدة في أبين ومصنع أسمنت الوطنية في لحج، خلال الشهور الأولى التي بدأت استقطاعات الانتقالي – 100 ريال عن كل كيس عبوة 50 كيلو- تراوحت كميات الإنتاج بين 60 ألف طن و91 ألف طن، ليصل إجمالي استقطاعات الانتقالي من المصنعين عن أربعة أشهر 619 مليون ريال.
كما يقوم الانتقالي كذلك باستقطاع مبلغ 84 مليون ريال شهرياً من مصنعين آخرين للإسمنت، هما سيسكو عدن، والمكلا ريسوت، ومقرهما في عدن، وبواقع 60 مليون شهرياً عن المصنع الأول، و24 مليون عن المصنع الثاني.
وفيما يتعلق بنهب الإيرادات الخاصة بموانئ عدن، (ميناء الحاويات في كالتكس، والميناء الرئيس بالمعلا)، فإن الانتقالي يستقطع مبلغ خمسين ألف ريال يمني، عن كل حاوية تخرج من ميناء كالتكس، ويستقطع المبلغ نفسه خمسين ألف ريال عن كل قاطرة (شاحنة)، تخرج من ميناء المعلا، علماً أن المتوسط اليومي لعدد الحاويات الخارجة من ميناء كالتكس يبلغ 650 حاوية، بينما يقدر المتوسط اليومي لعدد القاطرات (الشاحنات) الخارجة من ميناء المعلا (الرئيسي) بـ 450 شاحنة.
ووفقاً لهذه التقديرات يبلغ استقطاع الانتقالي الشهري من ميناء كالتكس 975 مليون ريال، ومن ميناء المعلا 675 مليون ريال شهرياً، أي أن إجمالي الاستقطاع الشهري من الموانئ يبلغ مليار و650 مليون ريال.
وتقوم سلطات الانتقالي، باستقطاع 14 ريال عن كل لتر من المشتقات النفطية عند وصولها إلى الميناء، وتستقطع مبلغ 9 ريالات، عن كل لتر يتم تخزينه في مصافي عدن، وبحسب إحصائيات الشهور الثلاثة الأولى لتنفيذ هذه الاستقطاعات فإن إجمالي ما تمت جبايته في الميناء (كمية المشتقات النفطية القادمة إلى عدن) تجاوز 13 مليار ريال.
فيما تجاوز مبلغ الاستقطاعات عن الكميات المخزنة في المصافي 8 مليار ريال، ليصل جملة ما تم استقطاعه عن المشتقات النفطية – القادمة والمخزنة- أكثر من 21 مليار ريال خلال ثلاثة شهور فقط، مع العلم أن هذه المبالغ التي تدفعها الشركات النفطية تضاف إلى قيمة أسعار المشتقات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعارها مما يضاعف معاناة المواطنين ويزيد من تدهور الخدمات العامة التي تعتمد بدرجة رئيسية على المشتقات النفطية.
وفيما يلي بيان إجمالي المبالغ التي يتم استقطاعها من الموانئ ومصانع الإسمنت والمشتقات النفطية:
المعدل الشهري لاستقطاعات الموانئ: 1,650,000,000
المعدل الشهري لاستقطاعات الأسمنت: 249,118,867
المعدل الشهري لاستقطاعات النفط: 7,223,636,000
الإجمالي الشهري: 9,122,654,867
جبايات الطرقات وضريبة الأسواق
فرضت السلطات التابعة للانتقالي سلسلة طويلة من الجبايات لم تتوقف على المنشئات الرئيسية في عدن، بل شملت الطرقات العامة وخطوط النقل بين المحافظات الواقعة تحت سيطرته، حيث تنتشر عشرات النقاط العسكرية والأمنية وتقوم بتحصيل مبالغ الاستقطاع باسم دعم الأمن ودعم الحزام الأمني الذي يسيطر على أهم المداخل الرئيسية في عدن ولحج وأبين والضالع.
في المدخل الشرقي لمدينة عدن توجد عدة نقاط تفتيش تتبع الانتقالي، منها نقطة العلم التي تقوم بفرض جبايات مالية بواقع 50 ألف ريال على كل شاحنة تخرج من عدن وهي محملة بالبضائع، و15 ألف ريال على كل شاحنة داخلة إلى عدن، خلاف ما تفرضه من مبالغ كبيرة على التجار والمواد الغذائية والأدوية، فضلاً عما تفرضه نقاط التفتيش الأخرى من مبالغ بعضها بسندات وبعضها بدون سندات، بل يتم تحصيلها بالقوة والتهديد ومنع العبور وعرقلة الحركة.
.jpeg)
في محافظة أبين تقوم نقاط تابعة للانتقالي باستقطاع أكثر من 20 مليون ريال في اليوم الواحد، حيث تفرض على شاحنات النقل الثقيل مبلغ 100 ألف ريال، ومبالغ أقل على حافلات النقل الدولي والنقل الداخلي بالإضافة لسيارات الأجرة وفي بعض الحالات السيارات الخاصة، ومن يرفض الدفع يتعرض للتأخير وعدم السماح له بالمرور.
وهذا يحدث أيضا في خطوط النقل الأخرى المرتبطة بعدن، ويضاف عليها رسوم ما يعرف بالميزان، حيث وضعت قيادات الانتقالي عدداً منها في مختلف الطرق لاستهداف الشاحنات الثقيلة، وهذه الميازين تلتهم ملايين الريالات على مدار الساعة.
وتشهد الأسواق العامة -على رأسها أسواق القات- استقطاعات يومية، وتقدر ضرائب القات بأكثر من 200 مليون ريال يومياً في عدن فقط، جميعها تذهب لقيادات في الانتقالي.
مع العلم أن هذه المبالغ تورد لحسابات خاصة بالانتقالي في شركات الصرافة المحلية أو عبر البنك الأهلي في عدن، وتصرف بأوامر من رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي، حيث يوجه بصرف مكافئات ومبالغ مالية على عناصره والتشكيلات العسكرية التابعة للانتقالي، وبعضها تكون على شكل رواتب تأتي بعد كل ثلاثة أو أربعة شهور، خاصة مع وجود عجز حكومي عن دفع رواتب الموظفين في القطاعين المدني والعسكري منذ عدة شهور.
المثير للدهشة أن الزبيدي الذي يقف على رأس عمليات النهب كرئيس للانتقالي، نفسه رئيس لجنة الموارد الاقتصادية في مجلس القيادة، والذي يفترض أن تكون مهمته الأساسية المحافظة على الموارد والدفع بها إلى خزينة الدولة عبر البنك المركزي.
وفي الآونة الأخيرة توسعت آليات وطرق نهب الإيرادات من قبل الانتقالي لتطال كل شيء تقريباً، وصار له نسبة كبيرة في كافة الموارد بما فيها موارد النقل والخطوط الجوية والمنافذ الواقعة تحت سيطرته.