غموض ضربة "إسرائيل" وتداعياتها: صراعات أجنحة الحوثيين تشلّ المؤسسات بصنعاء
لا تزال حادثة مقتل رئيس وعدد من أعضاء الحكومة التابعة لمليشيات الحوثي، جراء غارة للعدو الإسرائيلي على العاصمة صنعاء في نهاية أغسطس الماضي، يلفّها قدر كبير من الغموض، سواء من حيث طبيعة الضحايا، أو ملابسات الاستهداف، أو عدد الناجين منها، وهي تساؤلات ما تزال قائمة حتى اليوم.
وبالنظر إلى معطيات الحادثة وسياقها الزمني، فقد جاءت في ظل تصعيد إسرائيلي استهدف مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، لا سيما في صنعاء والحديدة. وعلى الصعيد الداخلي، وقعت الحادثة قبل نحو أسبوعين من ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي المناسبة السنوية التي تحشد لها المليشيات الحوثية، وتستنفر المواطنين والموظفين وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية لإحيائها.
كما كانت ذكرى المولد النبوي مناسبة تعدّ لها المليشيات الحوثية لاستكمال ما تسميه بـ«التغيير الجذري»، وهو المشروع الذي أعلن عنه زعيم الجماعة قبل عامين في خطاب ألقاه بالمناسبة ذاتها، ويستهدف إعادة هيكلة أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
وحسب مصادر خاصة، فإن مساعي المضي في تنفيذ «التغيير الجذري» فجّرت خلافات حادة داخل أجنحة المليشيات الحوثية، مشيرة إلى أن بعض التقديرات تربط بين تلك الخلافات وحدوث هذه الحادثة.
شلل مؤسسات الدولة
أحدثت الحادثة فراغًا واسعًا داخل أجهزة الدولة في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية، حيث بدت مؤسسات الدولة شبه مشلولة، في ظل تصاعد الخلافات بين أجنحة الجماعة، باعتبارها واحدة من أبرز تداعيات هذه الواقعة.
وحسب مصدر مطّلع، فإن هذه الحادثة وما أعقبها من فراغ إداري تمثل الأخطر في تاريخ الجماعة منذ وصولها إلى صنعاء وسيطرتها على العاصمة في 21 سبتمبر 2014.
ويوضح المصدر لمنصة «الهدهد» أن خطورة الحادثة لا تكمن في استهداف أسماء بعينها داخل الحكومة، بقدر ما تتمثل في حالة الشك وفقدان الثقة التي باتت تسيطر على مختلف القيادات داخل أجهزة الدولة، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على أداء المؤسسات الرسمية.
وأشار المصدر إلى أن هذه الحادثة حوّلت المؤسسات إلى هياكل شبه فارغة، تُدار فعليًا من قبل أشخاص سريين لا علاقة لهم بالبنية الرسمية للدولة، بعضهم إيرانيون، أو ممن تلقوا تدريبات في إيران، أو من الدائرة الضيقة المرتبطة بعلاقات وثيقة مع عبدالملك الحوثي والأسر الهاشمية المصاهرة له.
صراعات الأجنحة الحوثية
وعقب مقتل رئيس وعدد من أعضاء حكومة الحوثيين، سارع القيادي الحوثي محمد مفتاح - الذي لا تزال نجاته من الحادثة محل استغراب وتساؤل - إلى الإعلان عن اعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
كما جرى تكليف نواب الوزراء في بعض الوزارات بالقيام بأعمال الوزراء الذين قُتلوا، مع توجيه بمنع إصدار أي قرارات حتى يتم الإعلان عن الحكومة الجديدة، وهو ما لم تنجح المليشيات في إنجازه حتى اليوم.
وحسب مصادر مطلعة، فإن عددًا من نواب الوزراء ومديري المؤسسات سارعوا إلى إصدار قرارات لصالح موالين أو مقربين منهم، في محاولة للاحتفاظ بمواقعهم في حال تغييرهم، والحفاظ على مكاسبهم المادية.
وأشارت المصادر لمنصة "الهدهد" إلى أن بعض هذه القرارات جرى اعتمادها، فيما تم إلغاء قرارات أخرى، الأمر الذي ولّد حالة من الشك والريبة، وأسهم في تصاعد حدة الخلافات بين الأجنحة المختلفة، حيث بات كل جناح يعتقد أنه مستهدف من الجناح الآخر داخل مؤسسات الدولة نفسها.
يأتي هذا في الوقت الذي أفادت فيه مصادر متطابقة أنه جرى مؤخرًا تجميد عمل نواب الوزراء لصالح شخصيات أخرى من الوكلاء، وتجاهل نشر لقاءاتهم في وسائل الإعلام الحوثية الرسمية.
فشل إعلان حكومة جديدة
وكانت وسائل إعلام حوثية قد تحدثت الأسبوع الماضي عن قرب إعلان الحكومة خلال 48 ساعة، قبل أن تتراجع عن ذلك، لأسباب مرتبطة بالخلافات المتصاعدة بين أجنحة الحوثيين، لا سيما داخل الوزارات والمؤسسات الإيرادية.
وحسب المصادر، فإن القيادي المؤتمري الموالي للحوثيين راجح لبوزة، المنتمي لمحافظة لحج، يعد من أبرز الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الحكومة خلفًا للرهوي الذي قُتل في الضربة الإسرائيلية.
في المقابل، تحدثت مصادر أخرى عن طرح اسم القيادي المؤتمري الموالي للحوثيين غالب مطلق، الذي شغل حقيبة الأشغال العامة في الحكومة السابقة، وينتمي لمحافظة الضالع، كخيار بديل لتولي رئاسة الحكومة.
ومع حصر الخيار بين لبوزة ومطلق، تسعى المليشيات الحوثية إلى تخصيص منصب رئاسة الحكومة لشخصية من المحافظات الجنوبية، مقابل احتفاظها بمنصب الرئاسة، وفق ما تشير إليه المصادر، وبما يتماشى مع ما ينص عليه دستور دولة الوحدة، حتى وإن كانت هذه المناصب ذات طابع شكلي.
ووفقًا للمصادر، فإن من بين الأسماء المطروحة لتولي حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة الحوثية المرتقبة القيادي المؤتمري عبدالله قيران، الذي يحظى بدعم رئيس الحكومة الحوثية الأسبق عبدالعزيز بن حبتور، والذي جرى تعيينه مؤخرًا عضوًا فيما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى.
إجمالا، تكشف تداعيات حادثة الضربة الإسرائيلية في صنعاء عن عمق الارتباك الذي تعيشه المليشيات الحوثية في إدارة مؤسسات الدولة بمناطق سيطرتها، حيث تداخلت الخلافات الداخلية مع الفراغ الإداري، وتحوّل الصراع بين الأجنحة إلى عامل شلل مباشر في أداء الأجهزة الرسمية.
ومع استمرار الفشل في تشكيل حكومة جديدة، وتصاعد حالة الشك بين القيادات، تبدو مؤسسات الدولة أقرب إلى هياكل شكلية تُدار خارج أطرها القانونية، في مشهد يعكس أزمة بنيوية متفاقمة داخل الجماعة، ويضع مستقبل إدارة مناطق سيطرتها أمام مزيد من الغموض والتفكك.