‏حين يتحوّل تمرد الانتقالي على الشرعية .. إلى تمرد إماراتي على الرياض

سيف الحاضري

 

في خضمّ ما تشهده اليمن من تحولات خطيرة، يصبح من الضروري توضيح نقطة جوهرية قبل الخوض في أي نقاش سياسي: إن حديثنا عن مسؤولية المملكة العربية السعودية تجاه اليمن لا ينطلق من موقع الخصومة أو الاستهداف، ولا يُقصد به توجيه نقد عدائي أو تحميل الرياض ما لا تحتمل، بل هو نداء صريح لدولة قادت تحالفًا عسكريًا وسياسيًا بإرادتها، وأعلنت على الملأ التزامات واضحة تجاه اليمن، وثّقتها قرارات مجلس الأمن وبياناتها الرسمية منذ انطلاق عاصفة الحزم. ما نطالب به اليوم ليس أكثر من الالتزام بما التزمت به المملكة أمام اليمنيين وأمام العالم.

لقد قامت المملكة، بصفتها قائد التحالف العربي، على تعهدات أساسية لا لبس فيها: دعم الشرعية اليمنية، إنهاء الانقلاب الإيراني ممثلًا بمليشيات الحوثي، استعادة مؤسسات الدولة، والحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلال قراره. هذه ليست شعارات عابرة، بل التزامات قانونية وسياسية موثقة، بُني عليها موقف القيادة اليمنية، وثقة الشعب اليمني، واصطفاف القوى الوطنية خلف خيار التحالف.

ومن هذا المنطلق تحديدًا، تتحمل الرياض مسؤولية مباشرة عن مسار التحالف، بما في ذلك مسؤولية استدعاء دولة الإمارات للمشاركة فيه. وعليه، فإن أي انحراف عن أهداف التحالف، أو تمرد على قيادته، أو استخدام أدوات عسكرية خارج إطار الشرعية، لا يمكن فصله عن مسؤولية القيادة العامة للتحالف. إن ما يحدث اليوم في مناطق الشرعية، وعلى رأسها حضرموت والمهرة، لم يعد مجرد تجاوزات ميدانية، بل بات تعبيرًا واضحًا عن انحراف إماراتي ممنهج عن أهداف التحالف، تُدار عبر أذرع مسلحة، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي.

إن الحملة التوعوية التي يقودها الإعلام السعودي مؤخرًا، والتي كشفت جانبًا من حقيقة المجلس الانتقالي، وتعاملت معه بوصفه مصدر تهديد لأمن المملكة وسلطنة عمان، تمثل خطوة إيجابية ومهمة في مسار تصحيح الوعي.

 

غير أن الاكتفاء بالإعلام، مهما بلغ سقفه، لا يرقى إلى مستوى التحدي القائم. فحين تتحدث الرياض عن تمرد للمجلس الانتقالي، فإنها في جوهر الأمر تتحدث عن تمرد إماراتي على قيادة التحالف وأهدافه، وتمادي دولة مشاركة في التحالف في تقويض الشرعية التي أُنشئ التحالف أساسًا لحمايتها.

إن المجلس الانتقالي، بما يمتلكه من تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة، وبما يمارسه من سيطرة بالقوة، وبما يسببه من زعزعة للاستقرار الإقليمي، لم يعد مجرد فصيل محلي، بل تحول إلى خطر عابر للحدود، يهدد أمن المنطقة، ويستدعي توصيفه بما ينسجم مع هذا الواقع. ومن هنا، فإن تصنيفه جماعة إرهابية لم يعد طرحًا متطرفًا أو دعوة انفعالية، بل خيارًا منطقيًا تفرضه المعطيات، إذا كانت المملكة جادة في حماية أمنها القومي وأمن جوارها، وفي صون أهداف التحالف من التفريغ.

وفي المقابل، يبقى التعاطي الحذر مع الخطاب الإعلامي السعودي أمرًا مشروعًا، في ظل مخاوف حقيقية من أن تفضي الضغوط العلنية إلى تفاهمات سرية بين الرياض وأبوظبي، تُرسم فيها خرائط النفوذ داخل اليمن، على حساب الدولة اليمنية وشعبها. مثل هذه التفاهمات، إن حدثت، لن تنتج سلامًا ولا حربًا، بل ستُكرّس واقع اللاحرب واللاسلم، وتفتح أبواب الفقر والجوع والفوضى على مصراعيها، وتحوّل اليمن إلى غنيمة موزعة بين مليشيات، كلٌّ بحسب جغرافيته وسلاحه.

إن اليمن يقف اليوم عند منعطف أخطر من كل ما سبق. مستقبل البلاد يُرسم في غرف مغلقة، دون حضور من يمثلها تمثيلًا حقيقيًا. ومع ذلك، ما تزال هناك مساحة ضيقة من الثقة بأن المملكة ستدرك حجم مسؤوليتها التاريخية، وستتجه إلى تصحيح مسار المعركة، برفع يد الإمارات عن اليمن، وتمكين الحكومة الشرعية من بسط سيطرتها على كامل الجغرافيا، بدءًا من تحرير صنعاء من الاحتلال الإيراني، وصولًا إلى استعادة عدن من العبث الإماراتي.

وإن لم تكن الرياض قادرة – أو راغبة – في المضي بهذا المسار، فإن الحد الأدنى من المسؤولية يقتضي مصارحة العالم بحقيقة ما يجري، والكشف عن كيف أعاقت أبوظبي تحقيق أهداف التحالف، بدل الاستمرار في إدارة الأزمة تحت عناوين ملتبسة. فاليمنيون، الذين واجهوا المشروع الإيراني بصدورهم العارية، لن يعجزوا عن استعادة دولتهم، إذا وُضعت الحقيقة أمامهم بلا تزييف، ومن دون أقنعة.

إن تصحيح المسار اليوم ليس خدمة لليمن وحده، بل مصلحة استراتيجية للمملكة ذاتها. أما ترك الأمور على هذا النحو، فليس سوى إطالة لعمر الفوضى، وتكريس لتمردٍ بات من السخرية أن يُقدَّم بوصفه جزءًا من تحالف أُنشئ أصلًا لدعم الشرعية وحمايتها.

 

*نقلا عن صفحة الكاتب في تويتر