الفتوى ببزة عسكرية.. ما وراء إطلاق "غول" التطرف والتكفير جنوبي اليمن؟ 

2025-12-20 19:37 الهدهد - خاص
أحد متصدري الفتوى لصالح الانتقالي
أحد متصدري الفتوى لصالح الانتقالي

(تخيلوا، الشيخ عبدالله شعيفان، الذي حرض ضد إخواننا في حضرموت، وقال من يدافع عن أرضه مع بن حبريش فهو خارج عن الإسلام وكافر، يتم اليوم تعيينه من قبل عيدروس الزبيدي في هيئة الإفتاء الجنوبية).

بهذه الكلمات، يتحدث مواطن يمني، يدعى "سالم البكري"، عن أحد متصدري الخطاب الديني، جنوبي اليمن، ويدعى "عبدالله حسين شعيفان الجنوبي"، والذي ظهر في فتاوى متزامنة مع اجتياح مليشيا المجلس الانتقالي، لمحافظتي حضرموت، محرضاً على القتل بالهوية، وموزعاً تهم التكفير بشكل علني.

وما ذهب إليه "البكري"، يشير إلى خطورة الوضع، وكيف أصبحت "هيئة الإفتاء الجنوبية"، التي أعلن الانتقالي مؤخراً عن إنشائها، "غولاً"، أطلق لبث الرعب جنوباً، خصوصاً بعد أن أصبح خطاب تصدير العنف والكراهية مسيطراً على المشهد، والذي يغذيه الخطاب المنفلت.

ومن أبرز متصدري خطاب الانفصال وبث الكراهية والمناطقية والتحريض، منير السعدي اليافعي، وهو أحد خطباء مساجد عدن، وخالد باحميد الأنصاري، الذي انتشر له مقطع فيديو يدعو إلى قتل أي جندي من المحافظات الشمالية، ورشاد الضالعي، غيرهم الكثير من التيار السلفي ممن يطلق عليهم "المداخلة"، وأصبح لهم مراكز منتشرة في عموم المحافظات اليمنية.

قرار الزبيدي

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر عيدروس الزبيدي، بصفته رئيساً للمجلس الانتقالي، قراراً حمل الرقم 32 لعام 2025، نصّ على تشكيل لجنة تحضيرية عليا، تضم نواب وزارات الأوقاف والإرشاد، والعدل، والشؤون القانونية، إلى جانب لجنة تنفيذية تضم شخصيات أكاديمية وقضائية ودعوية وإدارية.

وفي حين حدد قرار الزبيدي، مهام اللجنة وأهدافها، لم يوضح صراحةً الإطار المؤسسي النهائي للهيئة المزمع إنشاؤها أو طبيعة تبعيتها الإدارية مستقبلاً.

تحذير رئاسي

في المقابل، حذرت رئاسة الجمهورية من هذه الخطوة، مشيرة في بيان رسمي صدر عبر وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إلى أن القرار يمثّل "إجراءً أحادياً" يتنافى مع أحكام الدستور والقانون والمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمها إعلان نقل السلطة.

بيان الرئاسة أكد أن ربط الفتوى بوزارة الأوقاف والإرشاد يُعد مخالفة دستورية، كون صلاحيات الوزارة تنفيذية وإرشادية، ولا تمتد إلى إنشاء مرجعيات إفتائية ذات طابع سيادي.

ووفق مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية فإن القرار يمس وحدة المرجعية الدينية ويؤدي إلى تشطيرها، محذّراً من مخاطر استغلال الفتوى لأغراض سياسية أو حزبية، ومن تحوّل الخطوة إلى سابقة خطيرة تمس النظام الدستوري والمؤسسي للدولة، وتفتح الباب أمام صراع ديني لا يخدم السلم المجتمعي.

ردود أفعال متواصلة

ورغم مضي أيام من إصدار القرار، إلا إن ردود الفعل مازالت متواصلة، ومن آخر الردود، ما كتبه الدكتور "إسماعيل السهيلي"، الذي قال إن "ظهور دعاة العنف والتطرف الديني في جنوب اليمن، الذين يجرمون جنود الجيش اليمني الشماليين ويُبيحون دماءهم، يجب قراءته كـمؤشر خطير، يفتح باب شر مستطير على الجميع.

"السهيلي"، على منصة "فيسبوك"، أكد أن ذلك "يعيد إنتاج الصراع السياسي بطابع ديني مؤدلج ومتطرف"، مضيفاً: "تاريخ دعوات العنف واستباحة الدماء يفيدنا، بأن كل جماعة بدأت بتسويغ قتل خصومها السياسين، بمسوغ ودثار ديني، كثيراً ما ينتهي بها الحال إلى توسيع دائرة الاستباحة حتى تشمل أبناء بيئتها وحلفائها".

ويرى أن أن التساهل مع هذا الخطاب المتطرف اليوم يعني دفع ثمنٍ أفدح في الغد، السلام المجتمعي ومكافحة التطرف يستوجبان اتخاذ الواجب شرعاً وقانوناً، داعياً وزارة الأوقاف وعلماء اليمن والنيابة العامة، إلى القيام بواجبهم لإيقاف هذا الأمر.

وأضاف كذلك، "المجلس الانتقالي الجنوبي مطالب أيضاً، وبشكل ملح، باتخاذ موقف عقلاني، يكبح جماح المتطرفين، وإن تغاضى عنهم اليوم، فإنه سيكتوي بنار تطرفهم في المستقبل".

بدوره، قال "عبدربه السقاف" "انقذوا الدين من السياسيين، وانقذوا السياسة من المتدينين"، مضيفاً: "رئيس المجلس الانتقالي أصدر قرار إنشاء لجنة إفتاء، وطبعًا هذه اللجنة سيكون رأيها الديني متوافقًا تمامًا مع توجه المجلس".

وبرأي السقاف، فإن هذا ليس جديدًا؛ فكل جهة سياسية من جهات العالم الإسلامي السياسية لديها علماء يوظفون الدين لتحقيق الأهداف السياسية"،  مرجعاً ذلك كون الناس بطبيعتها تتعاطف مع الدين وتقدّسه، لأنه فعلًا مقدس ومنزّه عن هذه الخلافات الدنيوية البغيضة، ولكن كرت الدين هو أكبر كرت ناجح لإنجاح أي سياسة فاشلة.

تبرير الجرائم

أما الصحفي "مصطفى غليس"، فيقول: ‏فتوى جديدة لقتل الأخوة، لا أفهم من إصدار عيدروس الزبيدي لقرار تشكيل هيئة الإفتاء الجنوبية إلا أمرًا واحدًا وهو استخدام الدين لتبرير الجرائم التي قد ترتكب في حق اخوتنا الحضارم من خلال الفتاوى وشرعنة الفتنة والقتل".

وفي هذا السياق يتخوف متابعون، بأن أطرافاً تريد، أن تكون الفتوى جنوبي اليمن حكراً على غلاة التيار السلفي، مقابل تغييب بقية المدارس والتيارات الدينية، وهو ما لا يبعث بأي رسالة طمأنة، بل يشير إلى وضع قاتم قد يتشكل عن هذا القرار، من الاتجاه نحو الانقسام والفوضى، وشرعنة الانتهاكات الممنهجة.

ويرى محللون أن إنشاء مرجعية دينية موازية في توقيت تشهد فيه البلاد تصعيداً ميدانياً وانتهاكات متزايدة تُنسب إلى مليشيات المجلس الانتقالي، يمثل محاولة لفرض واقع جديد خارج الإطار الدستوري، بما يهدد وحدة المرجعية الدينية ويحوّل الفتوى من إطارها الديني الجامع إلى أداة صراع سياسي.