‏هل تحوّل الساحل الغربي إلى مكتب تنسيق سياسي لشرعنة أمر واقع تمرد الزبيدي؟

سيف الحاضري

 

بات واضحًا أن فرع المؤتمر الشعبي العام في أبوظبي – الساحل الغربي لم يعد إطارًا سياسيًا وطنيًا، بل تحوّل فعليًا إلى مكتب علاقات عامة، أو سكرتارية سياسية، تعمل على تنسيق زيارات مسؤولين شماليين إلى عدن، وتسهيل اللقاءات مع عيدروس الزبيدي، والتعاطي معه ذهنيًا وإعلاميًا باعتباره “رئيس الأمر الواقع”.

هذا المسار، الذي يبدو أن طارق صالح وعمار صالح يقفان في واجهته، لا يمكن فصله عن سياق أوسع يهدف إلى تطبيع الوضع الجديد، عبر إضفاء مباركة شخصيات شمالية على مشروع تمرد انتقالي مسلح، بدأ بخطوات مدروسة شملت لقاءات مع رئيس مجلس النواب، ثم محافظي البيضاء وذمار، في محاولة مكشوفة لإضفاء “شرعية سياسية” على واقع فُرض بالقوة.

إن الإصرار على هذا التوجه لا يعني سوى تعميق حالة التمترس ضد ما تبقى من الشرعية، مؤسساتٍ وجغرافيا، ويدفع البلاد أكثر نحو مسار التقسيم وتآكل الجمهورية من داخلها، تحت لافتات زائفة عنوانها “الواقعية السياسية”، وجوهرها شرعنة الغلبة المليشياوية.

وإذا أخذنا هذا التوجه بواقعية، فإن الحديث المتكرر عن الاصطفاف لمعركة تحرير صنعاء يتحول إلى مزايدة سياسية فاقدة لأي صدقية. فلا يمكن لمن يطبّع مع تمرد انتقالي، ويمنح مشروعية لانقلاب مناطقي في الجنوب، أن يكون جادًا في مشروع استعادة الدولة في الشمال.

القراءة الطبيعية لما يجري في الساحل الغربي تكشف أننا أمام حرب غير معلنة ضد الشرعية بكل مكوناتها، تُدار بأدوات سياسية ناعمة، لكنها لا تقل خطورة عن السلاح، لأنها تستهدف الوعي والشرعية والتمثيل الوطني في آنٍ واحد.

والمكاشفة هنا ضرورة وطنية، بل واجب أخلاقي. فخطاب الخديعة، والحديث عن “لملمة الصف” مع طرف حسم خياراته وتموضعه في مواقع تستهدف الشرعية وتشرعن تقسيم البلاد، لم يعد مقنعًا لأحد.

أنا أقرأ المشهد بهذه الصورة، وأقوله بوضوح كامل، لأننا في منعطف خطير يهدد الجمهورية بالانهيار الشامل، ويفتح الباب واسعًا أمام مشاريع المليشيات الطائفية والمناطقية، شمالًا وجنوبًا. وقد أكون مخطئًا، لكن من يرى غير ذلك، فليقدّم وقائع ومعطيات حقيقية تثبت العكس، وأنا على استعداد كامل للتراجع والاعتذار.

الحقيقة وحدها هي ما يجب أن يُصارح بها الشعب، حمايةً له من تزوير الوعي، ومن تحويله إلى وقود في صراعات تُدار لمصلحة قوى إقليمية، وتُنفّذ بأدوات مليشياوية محلية، بأسماء مختلفة وأعلام متعددة، لكن الهدف واحد: تفكيك اليمن وإبقاءه ساحة مفتوحة للفوضى.

 إن أخطر ما يواجه اليمن اليوم ليس تعدد المليشيات فحسب، بل تحويل الانقلاب إلى سلوك طبيعي، والتطبيع مع التمزق بوصفه مسارًا سياسيًا. حين تتحول قوى يفترض أنها جمهورية إلى جسور لعبور مشاريع التقسيم، فإن الخطر لا يعود في السلاح، بل في العقل الذي يبرره.

الشرعية، مهما بلغ ضعفها، تظل الإطار الوحيد الذي يمنح الصراع معناه الوطني، وأي تجاوز لها أو الالتفاف عليها لا ينتج بديلًا، بل يفتح الباب لفوضى بلا سقف، ولن يكون أحد بمنأى عن نتائجها.

إن معركة اليمن الحقيقية اليوم ليست في إدارة اللقاءات، ولا في تلميع أمر واقع مفروض بالقوة، بل في استعادة البوصلة الوطنية، ورفض تحويل البلاد إلى طاولات تنسيق لمشاريع إقليمية متصارعة.

ومن يظن أن شرعنة الزبيدي اليوم ستمنحه مكسبًا سياسيًا، سيكتشف غدًا أنه كان مجرد ورقة مؤقتة في لعبة أكبر، وأن الأوطان لا تُبنى بالوساطة بين المليشيات، بل بإرادة دولة، ووعي شعب، وموقف لا يقبل المساومة على الجمهورية.

*نقلا عن صفحة الكاتب في تويتر