اليمن في منظور الأمن القومي الإقليمي

تركي القبلان

اليمن دولة عصيّة على الهضم في المدى الطويل، حتى وإن أحلوّها “البعض” واستسهل مذاق البدايات لتحقيق مصلحة تُرى من زاوية ضيقة؛ وهو توصيف لا يأتي من فراغ ، بل مما تعكسه بعض التقارير والتحليلات التي تستدعي التوقف عندها . إذ يفرض ذلك التساؤل عمّا إذا كنا إزاء فهمٍ لليمن بوصفه كيانًا سياديًا مكتملًا ، أم أمام قراءة تختزل معناه في منافذه وتترك فكرة الدولة معلّقة .

وعلى طريقة كلمات الأغنية الشعبية: «تحبني ولا تحب الدراهم»، يأتي السؤال هنا بصيغة أشد فجاجة: «تحبني ولا تحب الموانئ؟».

فتشجيع الانقسام في اليمن وتفكيك الدولة بذريعة استقلال طرف ، لا ينتهي في جوهره – وفق ما يتم تداوله – إلا إلى ما يمكن تسميته «استقلال الموانئ» لا استقلال الدول .

وعبر التاريخ لم تكن استسهال البدايات سوى الفخ الذي قاد إمبراطوريات ودولًا كبرى إلى أن تلفظ – مرغمة لا مختارة – ذلك المذاق الذي أغراها أولًا ، لتخرج في النهاية «بخُفّي حُنين» كما يقول المثل . فاليمن ليس أرضًا تُدار بمنطق الغنيمة ، ولا يُختزل في مقاربة من قبيل: «خذه لحمًا وارمه عظمًا .

اليمن وفق مفهوم قواعد العلاقات الدولية وروح القانون الدولي يشكل أهمية بوصفه أمنًا قوميًّا لدول الجوار (السعودية_سلطنة عمان) ومن هنا يأتي أهمية تحصينه ودعمه لتحقيق أمنه واستقراره ، غير أن التعاطي معه بمنطق الاستنزاف المؤقت للمكاسب البحرية ، أو بوصفه حيزًا وظيفيًّا للضغط على الجوار.

 من هنا فإن المصلحة العليا لدول الجوار لا تنبع من التعاطي مع اليمن كملف أزمات ، بل من تحصينه بوصفه ركيزة استقرار إقليمي؛ فالدولة المستقرة في هذا المجال الجغرافي لا تقل قيمة عن أي منظومة دفاعية ، بل تشكل خط الوقاية الأول من تمدد المخاطر العابرة للحدود، إذ إن أي إخلال بهذا التحصين لا يلبث أن يعيد إنتاج محيط غير مستقر تتحول فيه المصالح العابرة إلى مصادر تهديد ممتدة زمنًا.