مأرب وتعز في معادلة الصراع على مستقبل اليمن
من الضروري إدراك أن مشروع الهيمنة الإيراني، الذي تمثله مليشيات الحوثي، ينظر إلى مأرب وتعز باعتبارهما عائقًا بنيويًا أمام اكتمال مشروعه الطائفي-السلالي في اليمن. فهاتان المحافظتان تمثلان، سياسيًا واجتماعيًا، نقيضًا مباشرًا لمنظومة الحكم القائمة على الاصطفاء المذهبي واحتكار السلطة.
وفي السياق ذاته، فإن مشاريع التفكيك والتقسيم، وكذلك الطروحات التي تسعى إلى إعادة إنتاج الحكم الأسري تحت أي مسمى، تلتقي موضوعيًا عند اعتبار مأرب وتعز مركز ثقل وطني يهدد إمكانية فرض وقائع جديدة على حساب الدولة اليمنية الجامعة.
على المستوى المجتمعي، لا تزال مأرب وتعز تحظيان بمكانة رمزية ووطنية خاصة في الوعي الجمعي لليمنيين، من المهرة شرقًا وحتى صعدة شمالًا، بوصفهما المساحتين الأكثر حضورًا لفكرة الدولة والجمهورية، والرافعتين الأساسيتين لأي مسار جاد لاستعادة مؤسسات الدولة وإنهاء حالة الانقلاب والتشظي.
وانطلاقًا من هذه المعادلة، فإن مأرب وتعز ليستا مجرد جغرافيا صراع، بل هدفًا استراتيجيًا مباشرًا لكل القوى المناهضة لفكرة الجمهورية والدولة الوطنية. وهو ما يفرض التعامل مع وضعهما باعتباره مسألة أمن وطني من الدرجة الأولى، لا تحتمل الارتباك أو التقدير الخاطئ.
إن رفع مستوى الجاهزية الدفاعية، وتعزيز مناعة المجتمع تجاه الاختراقات السياسية والإعلامية والأمنية، يمثلان ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة. فالهشاشة الداخلية، والتساهل مع شبكات الاختراق، أو إضعاف الثقة بالمؤسسات الأمنية، لا يقل خطرًا عن التهديدات العسكرية المباشرة.
وعليه، فإن المطلوب في هذه المرحلة هو بناء حالة اصطفاف وطني صلب، تُدمج فيها المسؤولية المجتمعية ضمن منظومة الأمن والاستقرار، وتُغلق فيها كل الثغرات التي تستثمرها القوى المعادية لإرباك الداخل أو تفكيك الجبهة الوطنية.
إن أي إخفاق في إدارة هذه المرحلة لن تكون كلفته سياسية فحسب، بل إنسانية ووطنية، تمس حياة ملايين المواطنين في مأرب وتعز على وجه الخصوص، ومستقبل الدولة اليمنية على وجه العموم.
وفي لحظات التحول الكبرى، لا يُقاس النجاح بحجم الشعارات، بل بقدرة الفاعلين على اتخاذ قرارات دقيقة تحمي ما تبقى من فكرة الدولة والجمهورية.
*من حساب الكاتب في تويتر