طارق وعيدروس تحالف من يضحك على من؟
العلاقة بين طارق صالح والانتقالي لا تقوم على قناعة مشتركة ولا على مشروع واضح بقدر ما تقوم على حسابات باردة، كل طرف داخل هذا التحالف يعتقد انه الطرف الاذكى وان الاخر مجرد اداة مؤقتة يمكن استخدامها ثم تجاوزها لاحقا، طارق ينظر الى الانتقالي باعتباره مشروعا لا يستطيع ان يتحول الى دولة مستقلة في نهاية المطاف، ويعرف ان الانفصال لن يحظى باعتراف اقليمي ولا دولي، وان الخليج والاقليم لا يميلان الى تفكيك دولة قائمة بقدر ما يميلان الى ادارة توازنات داخلها، لذلك يرى ان التحالف مع الانتقالي لا يحمل مخاطرة كبرى في حساباته، هو يعتقد ان بامكانه الضحك على الحلم الجنوبي واستثماره مرحليا ثم العودة لقطف الثمرة لاحقا حين تتغير الظروف.
هذه الذهنية ليست جديدة على اليمن، هي قريبة جدا من حسابات سابقة جرى فيها فتح الطريق امام الحوثيين لاقصاء خصوم سياسيين على افتراض ان السيطرة النهائية ستعود لاحقا لمن ظن نفسه الاكثر دهاء، الحساب كان بسيطا والنتيجة معروفة للجميع، اليوم تتكرر الذهنية نفسها مع اختلاف اللاعبين وتغير الشعارات، استخدام مشروع اخر مرحليا مع قناعة بان التحكم بالنتيجة النهائية ممكن في اي وقت.
في الجهة الاخرى حاجة الانتقالي لطارق مختلفة لكنها لا تقل هشاشة، الانتقالي يدرك انه لا يستطيع تأمين نفسه شمالا بمفرده، لا جغرافيا ولا عسكريا ولا سياسيا، اي مشروع جنوب منفصل حتى في اكثر نسخه تفاؤلا يظل مهددا من الشمال اذا لم يكن هناك حليف يخفف الضغط ويغلق الجبهة، طارق هنا يتحول الى صمام امان مؤقت يمنح الانتقالي شعورا بالاطمئنان ويعطيه وقتا للمناورة، ليس شريكا سياسيا بقدر ما هو ضرورة مرحلية.
المفارقة ان كل طرف في هذا التحالف مقتنع انه يستخدم الاخر لا العكس، كل واحد يرى نفسه صاحب اليد العليا وصاحب القدرة على الانسحاب في اللحظة المناسبة، لا احد يفكر في اليوم التالي للتحالف، التفكير محصور في المكسب السريع وتوسيع النفوذ وتحسين الموقع التفاوضي، وفي مثل هذه العلاقات لا يكون السؤال ماذا سيحدث للبلد، السؤال دائما من سيخرج باقل الخسائر عندما تنتهي اللعبة.
وخلف هذه الحسابات المتقاطعة يقف عامل واحد ثابت لا يتغير، داعم واحد وغرفة قرار واحدة وهدف استراتيجي لا يتعلق بشكل الدولة ولا بالوحدة ولا بالانفصال، الهدف الحقيقي هو السواحل والموانئ والجزر، هذه هي الجائزة التي لا تتغير مهما تغيرت الرايات، من يسيطر على البحر يتحكم بخطوط التجارة والنفوذ، ولهذا يصبح كل طرف مفيدا للاخر طالما يخدم هذا الهدف، الارض الداخلية قابلة للتبدل والتحالفات مرنة والخطابات قابلة للتغيير، اما البحر فثابت في الحسابات.
جوهر الصراع هنا لا يتعلق بالشمال والجنوب ولا بالوحدة والانفصال، الجوهر هو ادارة نفوذ في لحظة غياب دولة واستثمار فراغ طويل، كل طرف يراهن على انه سيسيطر على ايقاع اللعبة، والتاريخ القريب يقول ان مثل هذه الرهانات نادرا ما تنتهي كما يتخيل اصحابها، المشاريع المؤقتة تتحول غالبا الى ازمات دائمة، ومن يراهن على استخدام الاخرين يكتشف متاخرا انه فقد السيطرة على المسار كله.
هذا ليس حكما اخلاقيا ولا اصطفافا مع طرف ضد اخر، هو توصيف لمسار يتكرر باسماء مختلفة وادوات مختلفة، وكل الحسابات التي لا تضع الدولة اليمنية في مركزها تنتهي بالنتيجة نفسها، مزيد من التشظي ومزيد من الارتهان ومزيد من الوقت الضائع، بينما الخارج الذي يدير التوازنات يبقى الطرف الوحيد الذي لم يخسر شيئا.